تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

3 - الخاتمة: وقد تعرض فيها سيد قطب للتصور الإيماني لدى الجماعة المسلمة كما ربط فيها بين مطلع السورة وختامها: «وفي النهاية نرى ختام السورة ينعطف عن افتتاحها، فيبين طبيعة التصور الإيماني، وإيمان الأمة المسلمة بالانبياء كلهم، وبالكتب كلها، وبالغيب وما وراءه، مع السمع والطاعة: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا، وارحمنا، أنت مولانا، فانصرنا على القوم الكافرين} (1).

ومن ثم يتناسق البدء والختام، وتتجمع موضوعات السورة بين صفتين من صفات المؤمنين، وخصائص الإيمان» (2).

والتناسق الموجود بين الموضوعات والأفكار المتعددة والمتنوعة التي عالجتها سورة البقرة يقوم دليلا على أن الأسلوب الرباني متفرد ومتميز، وقبل هذا وذاك معجز في كل شيء، فأينما بحثت عن الإعجاز في القرآن تجده، وصدق الرحمن إذ قال في كتابه العزيز {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا، فأتوا بسورة من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} (1).

وتقسيم سيد قطب لهذه السورة إلى مقدمة ومحور مزدوج يمكننا من الوقوف على المعاني الأساسية للسورة وللموضوعات التي تطرقت إليها، كما يجعلنا نقف على نقطة هامة وهي أن جانبا من الإعجاز القرآني يتمثل في السمة الأساسية للتأليف والنظم في القرآن الكريم، وذلك ما اصطلحنا على تسميته بالتصور النسقي للسورة القرآنية، وهذا يحملنا على القول بفكرة التناسق وشمولية الدعوة الإسلامية، فالإسلام دعوة للناس كافة، والإعجاز لكي يكون حقيقيا يجب أن يكون في شيء يجيده الإنسان. فإذا قلنا إن إعجاز القرآن يرجع -فقط- إلى لغته وبلاغته العربية فإنه لن يكون معجزا إلا للعرب دون غيرهم، أما إذا قلنا إن النص القرآني معجز بطريقة تأليفه بين الموضوعات والفكر فإنه يكون معجزا لكل البشر، على أساس أن الإعجاز يكمن في طريقة التأليف لا في اللغة، وقد تحدى الله سبحانه الإنس والجن أن يأتوا بمثله من حيث التناسق والانسجام، ومن هنا يمكننا الربط بين شمولية الإسلام، وشمولية إعجازه للعالمين بلا استثناء فنحن نتحدى -اليوم- إنسانا يدعى القدرة على كتابة رسالة أو كتاب متضمن لعدة أفكار أو موضوعات متعددة ومتنوعة مبنى ومعنى، فيجمع بينها في أسلوب منطقي يجعل كل هذه الموضوعات تشكل وحدة نسقية تدخل هذه الموضوعات والأفكار في حوار مع بعضها، كما هو الشأن بالنسبة للخطاب القرآني، حيث نجد الآيات يفضى بعضها إلى بعض وكانها تتحاور فيما بينها في تناغم وانسجام مشكلة بذلك نسقا متكاملا غير قابل للزيادة أو النقصان، بل هو الكمال ذاته، لأن ما صدر عن الكامل يتعين أن يكون كاملا. وصدق الله تعالى إذ قال في الذكر الحكيم {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} (1).

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير