وقد أجمل سيد قطب الحديث عن هذا المحور المزدوج بقوله: «هذه السورة تضم عدة موضوعات ولكن المحور الذي يجمعها كلها محور واحد، مزدوج، يترابط الخطان الرئيسيان فيه ترابطا شديدا، فهي من ناحية تدور حول موقف بني إسرائيل من الدعوة الإسلامية في المدينة، واستقبالهم لها، ومواجهتهم لرسولها ـ صلى الله عليه و سلم ـ وللجماعة المسلمة الناشئة على أساسها وسائر ما يتعلق بهذا الموقف بما فيه تلك العلاقة القوية بين اليهود والمنافقين من جهة، وبين اليهود والمشركين من جهة أخرى. وهي من الناحية الأخرى تدور حول موقف الجماعة المسلمة في أول نشأتها وإعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض بعد أن تعلن السورة نكول بني إسرائيل عن حملها، ونقضهم لعهد الله بخصوصها، وتجريدهم من شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم ـ عليه السلام ـ صاحب الحنيفية الأولى وتبصير الجماعة المسلمة وتحذيرها من العثرات التي سببت تجريد بني إسرائيل من هذا الشرف العظيم وكل موضوعات السورة تدور حول هذا المحور المزدوج بخطيه الرئيسيين» (1).
ويمكننا أن نقف على موضوعات خطي المحور - الذي سيعني التفسير التفصيلي بتشريحها - قصد تجليتها وتوضيحها:
1 - يتضمن الخط الأول العناصر الآتية:
أ- دعوة بني إسرائيل إلى الدخول في الإسلام.
ب- محاربة اليهود للإسلام، وعملهم على إجهاض دعوته.
ت- عملهم على تكفير المسلمين.
ث- إعلانهم العداوة لجبريل ـ عليه السلام ـ.
ج- عملهم على تشكيك الناس في صحة نبوة محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ.
ح- مساندتهم للمنافقين.
خ- تذكير الله لهم بماضيهم المخزي، وبأفعالهم المشينة مع أنبياء ورسل الله -عليهم السلام-.
د- تيئيس الله للمسلمين من إيمان اليهود، لأنهم أشربوا الكفر في قلوبهم، وجبلوا على المكر والخداع، ومردوا على النفاق.
ذ- محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ هو الوارث الشرعي لتركة إبراهيم ـ عليه السلام ـ وهو على سنته وهديه هو وأتباعه قد نهضوا بالخلافة في الأرض على منهاج الله، وكان ذلك استجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: «فوراثة إبراهيم قد انتهت-إذن- إلى محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـوالمؤمنين به بعد ما انحرف اليهود وبدلوا، ونكلوا عن حمل أمانة العقيدة، والخلافة في الأرض بمنهج الله، ونهض بهذا الأمر محمد والذين معه. وإن هذا كان استجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وهما يرفعان القواعد من البيت {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا منا سكنا وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم، ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} (1)» (2).
2 - أما الخط الثاني من محور سورة البقرة فهو يتضمن المواضيع التالية:
I. تعيين القبلة التي تتجه إليها الجماعة المسلمة وهي البيت الحرام {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} (1).
Ii. بيان المنهج الرباني لهذه الجماعة المسلمة، ومنهج التصور والعبادة، ومنهج السلوك والمعاملة: «وتبين - السورة- لها أن الذين يقتلون في سبيل الله ليسوا أمواتا بل أحياء، وأن الإصابة
بالخوف والجوع، ونقص الأموال والانفس والثمرات ليس شرا يراد بها، إنما ابتلاء ينال الصابرون عليهم صلوات الله، ورحمته وهداه، وأن الشيطان يعد الناس الفقر، ويأمرهم بالفحشاء، والله يعدهم مغفرة وفضلا، وأن الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات، وتبين لهم بعض الحلال والحرام في المطاعم والمشارب، وتبين لهم حقيقة البر لا مظاهره وأشكاله، وتبين لهم أحكام القصاص في القتلى وأحكام الوصية وأحكام الصوم، وأحكام الجهاد، وأحكام الحج وأحكام الزواج والطلاق مع التوسع في دستور الأسرة بصفة خاصة، وأحكام الصدقة، وأحكام الربا، وأحكام الدين والتجارة» (2).
¥