تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهناك من سيقول (متفلسفاً): إن الله تعالى يقول أن ما ينفع الناس يمكث في الأرض، وسيطرب أتباع الدين الأميركي لهذا الاكتشاف! غافلين عن الفرق الأساسي بين النفع الشرعي الذي هو للناس، والنفع الأميركي الذي هو للذات (وهذا له علاقة وثيقة بموضوع أخطر إذ لايوجد متبع للدين الأميركي إلا ويحمل جراثيمه، وهو عبادة الذات! مما سنركز عليه لاحقاً)].

[من النتائج الطبيعية للدين الأميركي وبراجماتيته أن ينظر الأفراد على مصالحهم التجارية فيرفضون المقاومة ضد الاحتلال لأنها لا تعين على الاستقرار الاقتصادي، ويقبلون الاحتلال لأن الخسائر – ضمن الحواس الخمس- أقل من خسائر المواجهة].

أعان على الفلسفة النفعية رواد مثل سبنسر (منتصف القرن التاسع عشر) وخلاصة نظريته الماكرة جداً (وهي داروينية اجتماعية سابقة للداروينية البيئية التي أتى بها دارون) أن القوي يأكل الضعيف في البيولوجيا، والغني يأكل الفقير في عالم الأفراد، وتغيير ذلك سيؤخر تطور البشرية [ضمن رؤية سبنسر للبشرية]، [من النتائج العملية أن إبادة شعوب بكاملها إنما هي عملية تنظيف، لذلك لم يستطع الرئيس كلينتون إلا الاعتراف بتقصير الإدارة الأميركية الشديد في إيقاف مذابح التوتسي والهوتو والتي ذهب ضحيتها أكثر من مليون إنسان ذبحوا بالسيوف والفؤوس! فلا نفط عندهم ولا مصالح اقتصادية، وموتهم سيخفف بعض الجهد عن كاهل البشرية-الأميركية-، ونستطيع بسهولة أن نرى تلك المعاني في الأفلام الأميركية، والتي عمادها القتل والجريمة، فبعد انتهاء مهمة العميل يمحق ويقتل مثل حشرة فقد انتهت مهمته، ولم يعد منه نفع حتى لولم يكن خائناً، فقد أدى وظيفته، ونفعه –ضمن الحواس الخمس- وليس له أي كرامة كإنسان، ويمكن للإنسان أن يكون عطوفاً على والديه إلى حد معين، وبعدها فدور العجزة هي المكان الطبيعي للوالدين، إذ لا يوجد في الدين الأميركي أي شيء يمت إلى العمل لوجه الله أو الأجر الأخروي، أو الحسنات والثواب، والتوفيق في الحياة بسبب بر الوالدين].

[هناك أمر حيرني، وهو أن كثيراً ممن يعيشون في تلك المجتمعات يحبون الخير، وهناك من يدفع الملايين لتلك الأعمال، وهذا حق لأن الفطرة البشرية لاتموت بهذه السهولة، ولكن حاول أن ترى ذلك السخاء في حالة الضيق والقحط، فهل ستجد أمة ممن قال الله فيهم: ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة! أبداً فحالة البحبوحة والرغد هي التي تدفع لأعمال الخير إرضاء للنزعة الذاتية وفي أحيان أخرى بقصد المباهاة، أما عند المحنة فتزول الطبقة البسيطة من الفطرة، ويستيقظ وحش البراجماتية، وليس أدل على ذلك ما حصل عندما انقطعت الكهرباء في نيويورك لبضعة ساعات فقط، فقد حصل من السرقات والنهب والاعتداء على أملاك الناس مالم يسبق في تاريخ البشر (ومثله ماحصا في إعصار فلوريدا السنة الماضية الذي نهبت فيه بعض المدن بشكل غير مسبوق)، أما في بلادنا المتخلفة فمازلت أرى الناس في الأسواق القديمة يضعون غطاء بسيطاً على بضائعهم وأحياناً مجرد عصا صغيرة، تعلن أن صاحب المحل ذهب إلى الصلاة والبيع متوقف الآن، ولا أحد يسرق ولا أحد يمد يده رغم كثرة الفقر والحاجة، أما عندما تحصل نكبة أو مصيبة، فمشاعر المؤازرة والمساندة والبذل في بلادنا تبدأ من الأقل مالاً فما زالت فيهم النخوة التي لا يوجد لها مرادف عند الاستهلاكيين، وبالمناسبة فيوجد بيننا آلاف البراجماتيين –أتباع الديانة الأميركية- وهم لايحسون بما هم فيه، ويذكرني حالهم بشكوى لأحدهم عن قسوة قلبه، وبعدما سمعه أحد الحكماء قال له: سل الله أن يمن عليك بقلب فإنه لا قلب لك!]

الركن أو الثابت الثاني في الدين الأميركي هو: الفردية:

مبدأ الفردية تشكل إطاره النظري عبر ثلاثة مفكرين: رالف والد إيمرسون (1803 - 1882) وهنري ديفيد ثورو (1817 - 1862) وألكس دي توكفل (1805 - 1859).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير