تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد هاجم الأولان كل النظم الدينية التي تدعو إلى غير الفردية، وركزوا على أن الفرد هو القيمة الأولى والأهم في المجتمع، وهو ينتمي لنفسه أولاً وأخيراً، وليس من حق المجتمع أن يملي عليه تصرفاته وأفكاره، ومن حق هذا الفرد أن يسلك أي سلوك يجلب له السعادة مهما كان مخالفا لتصور الآخرين في السعادة [ليست الانتحارات المشتركة والجنس والتحشيش الجماعي والاعتداء على المحارم واغتصاب الأطفال وتعذيبهم، وإطلاق النار من المراهقين على أساتذتهم وزملائهم سوى مفردات بسيطة لهذا الفكر].

في كل إنسان نزعة فردية ولكن بالتربية والإيمان تصقل لتتحول إلى عامل إيجابي أو تبقى ضمن إطار لايؤدي إلى أضرار واسعة الطيف، أما الفلسفة الفردية فهي منهج خطير ليس قائماً على إدراك دور الفرد بل يؤله الفرد، فترى الفردية أن معيار الأخلاق والمبادئ يمر عبر الفرد، وليس من واجبه أن يضحي من أجل غيره، فالمجتمع صمم من أجل خدمتة، والفردية لاتدعو للعزلة بل هي تنظيم جديد للعلاقة بين الناس قائمة على فرد مع فرد وليس علاقة فرد بمجتمع، [عند عقد الزواج الإسلامي يذكر العلماء أن العلاقة الزوجية ليست علاقة فرد بفرد، بل مجتمع بآخر].

وماذا عن الفرد الضعيف؟ يقول إيمرسون: لايقل لي أحد أن لدي التزاماً تجاه الفقراء، إنهم ليسوا فقرائي! [إن مايجري من أعمال الخير في المجتمعات الغربية قائم على الفردية أساساً ويبني عليها، ولم يكن يوماً قائماً على العقد الاجتماعي، أو الواجب الديني، كما هو نظام الزكاة في الإسلام الذي يفرض على الأغنياء فرضاً إخراج الزكاة كي لايكون المال دولة في أيدي الأغنياء].

حققت الفردية دوراً إيجابياً في البناء الحضاري الأميركي بإطلاق طاقة الفرد [ولو على حساب أمور أخرى]. وانبثق منها مفهوم الحرية الشخصية التي كانت طعماً ساذجاً وقناعاً لممارسة الفردية، وعندما يصبح الفرد مشرعاً لنفسه فمعنى هذا أن أكبر عدد من الأفراد إذا اتفقوا على شيء واحد فسيملكون حق التشريع للمجتمع بغض النظر عن أي شيء آخر! [أباحت إحدى الدول الأوربية للشاذين جنسياً تبني الأطفال!! لأن مجموع المصوتين في البرلمان مع القرار أكثر من المعارضين] وتهمس لك الفردية: أنت أهم شيء، واقبل نفسك، وباختصار كُن ذاتك، فلا داعي لتعديل أي شيء في حياتك إلا مايوافقك [خرجت مظاهرة في نيويورك مرة تضم عشرات آلاف الشواذ وهي تنكر على الحكومة الأميركية تقصيرها في إيجاد الأدوية التي تسمح للشاذين باستمرار سلوكهم دونه أن يضطروا للوقوع تحت وطأة الإشكالات الصحية].

كرست الفردية نوعاً من افتتان المرء بذاته، وبنت فيه نرجسية فائقة، ومع الوقت نمت هذه الخصلة لتتحول إلى عبادة الذات، ويصبح الفرد هو مركز الكون! [وهذا الأمر في غاية الخطورة من الناحية الشرعية]: (أفرأيتَ من اتخذ إلههُ هواهُ وأضله الله على علم) (الجاثية45/ 23)، وعندما تستقر تلك العبادة ستبدأ بإخراج الوثن الذي ستقود به جماهير السذج والمغفلين!

[نتوقف عند مثال واحد، وهو هنا فني ولكن له نسخ تجارية وعلمية وسياسية]: تُسلط أضواء الأعلام ليلاً ونهاراً على بعض النجوم الذين هم دائماً في غاية الأناقة والوسامة والجاذبية والذين هم يمثلون النجاح الفردي الكاسح والعصامية في شق الطريق! والولع الموجه لهم هو ترميز لعبادة الذات [التي ينبغي للكل أن يتوجه إليها]، وكل فرد في الجمهور يرى في النجم ذاته، فهو يتقرب ويعبد ذاته من خلال الرمز النجومي الذي هو محض وثن يحرض عبادة الذات في النفس!

لابد من ربط الجمهور بأدق تفاصيل حياة ذلك النجم من نوع الصابون وكيف يحلق وكيف يحب وماذا يأكل [ليس لأنه قدوة صالحة ومعلم خير، بل فقط لأنه فرد يوقظ في النفس وثنية الذات إلى أبعد حد]، ثم تقام بعدها تصفيات للنجوم تهدر فيها حياة أولئك [الأفراد الخاسرين، فهو مذبح وثني قديم تفترس السباع فيه العبيد، ولا يحزن أحد على العبيد الضعفاء مادامت السادية والذات قد اشتفت بمنظر التوحش الكامن فيها ووحده المنتصر يحوز البطولة، ويمكن لمن يهمه الموضوع أن يتابع مسيرة الحياة للنجوم الذين لا يستطيعون المتابعة كيف ينهار أكثرهم نفسياً بعد النجومية المتداعية أو ينتحرون أو يعيشون في وضع لا يحسدون عليه].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير