وقوله (سجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد غير الوليد بن المغيرة وأبي أحيحة سعيد بن العاص فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتهما وسجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود (لباب التأويل5/ 22) فقد ورد فى صحيح البخارى"عن عبد الله رضى الله عنه قال أول سوره أنزلت فيها سجده والنجم قال فسجد رسول اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسجد من خلفه إلا رجلاً رأيته أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فسجد عليه قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَرَأَيْتُهُ بَعْدُ ذلك قُتِلَ كَافِرًا (البخارى6/ 177) ولم يزد البخارى فى القصه إلا فى الحديث السابق لهذا الحديث أضاف عبارة (وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ) فإن صحت العباره كان أولى بالبخارى -وهو أعلم بالصحيح من السقيم- أن يوردها.
ويطالعنا الإمام النسفى برأى آخر وهو أن الرسول سكت عند قوله ومناة الثالثة الأخرى فتكلم الشيطان بها متصلا بقراءته وكان الشيطان يتكلم فى زمن النبى ويسمع كلامه فقد روى أنه نادى يوم أحد: ألا إن محمداً قد قتل؛وقال يوم بدر (لاغالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم (مدارك التنزيل2/ 468).وهو ما يوافقه الزمخشرى (تكلم الشيطان فأسمعه الناس) (الكشاف3/ 167).
ونجد أن الرازى رحمه الله بنكر ذلك ويقول (روي عن محمد بن إسحق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال هذا وضع من الزنادقة)
(مفاتيح الغيب 23/ 44)
ويقول الخازن معلقا على أقول المفسرين وغيرهم (" فإن قلت: قد قامت الدلائل على صدقة وأجمعت الأمة فيما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء منه بخلاف ما هو به لا قصداً ولا عمداً ولا سهواً ولا غلطاً قال الله تعالى: (وما ينطق عن الهوى) وقال تعالى: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) فكيف يجوز الغلط على النبيّ (صلى الله عليه وسلم) في التلاوة وهو معصوم منه؟. (لباب التأويل 5/ 23) نجده يفند أقوال العلماء فى ذلك:-
1:- توهين أصل هذه القصة وذلك أنه لم يروها أحد من أهل الصحة ولا أسندها ثقة بسند صحيح أو سليم متصل وإنما رواها المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب؛وذكر اختلافهم فى الوضع الذى قيل فيه
2:-قامت الحجه بالدليل القاطع أن النبى معصوم من الخطأ فى ذلك وانه لم يفعل أى شىء مما حكى قال الله عزّ وجلّ (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقعطنا من الوتين) (الحاقه44:46)
3:-التسليم بسجود الكفار لكن لان الرسول كان يرتل القرآن ويفصله أو أن الشيطان دس فيه تلك الكلمات فسمعها من دنا من المشركين ولم يقدح ذلك عند المسلمين لتحققهم من ذم الرسول للأصنام.
4:- تحقيق تفسير الآية وقد تقدم أنّ التمني يكون حديث النفس وبمعنى التلاوة فعلى الأول: يكون معنى قوله) إلا إذا تمنى (أي خطر بباله وتمنى بقلبه بعض الأمور ولا يبعد أنه إذا قوي التمني اشتغل الخاطر فحصل السهو في الأفعال الظاهرة وعلى الثاني: وهو تفسير التمني بالتلاوة فيكون معنى قوله) إلا إذا تمنى (أي تلا وهو ما يقع للنبيّ (صلى الله عليه وسلم) من السهو في إسقاط آية أو آيات أو كلمة أو نحو ذلك ولكنه لا يقر على هذا السهو بل ينبه عليه ويذكر به للوقت والحين كما صح في الحديث (لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أنسيتها في سورة كذا.
5:-وختم الكلام عن هذا بقوله حاصل هذا أن الغرض من هذه الآية أن الأنبياء والرسل وإن عصمهم الله عن الخطأ في العلم فلم يعصمهم من جواز السهو عليهم بل حالهم في ذلك كحال سائر البشر والله تعالى أعلم. (لباب التأويل5/ 24,23)
ومجمل القول أن الخازن قد شرح لنا هذا الغامض عند أغلب المفسرين وقد ضعف مقولتهم وخلص إلى أن النبيين ليسوا فى معزل عن النسيان ونسيانهم ليس لأمر ينبنى عليه العقيده أو حد من حدود الله فكما ورد فى الصحيحين (أَبِي سَلَمَةَ قَالَ انْطَلَقْتُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
¥