تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا الوصف من أبرز أوصاف النخلة التى امتازت به من سائر الأشجار ألا وهو عدم سقوط ورقها, وليست هذه كل صفات النخلة. ويبدو لى فى ذلك سر بلاغى, فالنبى صلى الله عليه وسلم بذكره لهذا الوصف من أوصاف النخلة يريد أن يبين أن النخلة لا ينقطع عطاؤها وخيرها بحال من الأحوال, فورقها فيها سواء أخرج منها الثمر أم لم يخرج. وفى هذا إشارة إلى أن الخير مستمر فى المسلم فى كل حال لأن نفسه مجبولة على حب الخير والعطاء, لا يفارقه حب الخير, ولا يفارق هو فعل الطاعات, فلا ينفصل أحدهما عن الآخر, كما أن النخلة لا يسقط ورقها بحال من الأحوال, ولهذا عقب النبى صلى الله عليه وسلم بعد هذا الوصف للنخلة بتمثيلها بالمسلم, وكأنه يلفت الأنظار بداية إلى أن هذه الخصيصة فى وصف النخلة هى أبرز السمات والصفات التى تشابه فيها المسلم, فهذا الترتيب بين الوصف أولاً, والتشبيه. ثانياً- فيما يبدو لى- أمر مقصود فى البيان النبوى. () وكما سبق أن النبى صلى الله عليه وسلم ذكر هذه الصفة وحدها من صفات النخلة مع أن لها صفات أخرى كثيرة " (2) موجودة فى جميع أجزائها, مستمرة فى جميع أحوالها, فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل أنواعاً, ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها حتى النوى فى علف الدواب, والليف فى الحبال, ومن خشبها وورقها وأغصانها يستعمل جذوعاً وحطباً وعصياً ومخاصر وحصراً وأوانى وغير ذلك" (3). فاكتفى النبى صلى الله عليه وسلم بذكر أبرز الصفات, وترك الباقى ليربط المسلمون بين الصفة المذكورة وبين المسلم ثم يبحثون بعد ذلك عن باقى وجوه الشبه بين المسلم وبين النخلة, وإذا كانت الصفات التى سبق ذكرها موجودة فى النخلة فى حال خَضِرها وفى حال خَضْرها (1) فكذلك المسلم خيره مستمر فى حال حياته وبعد مماته, ففى حياته بالطاعات وفعل الخيرات وغير ذلك من وجوه البر, وبعد موته بالصدقات الجارية وما كان سبباً فيه فى حال حياته, وما ورَّثَه من خير, وبدعوة الناس له, وبدخوله الجنة يوم القيامة, فالمؤمن كله خير ومنافع فى حال حياته وبعد مماته. (2) ومن صفات النخلة جمال النبات, وحسن هيئة ثمرها, فهى منافع وخير وجمال وكذلك المؤمن خير كله بكثرة طاعاته, ومكارم أخلاقه, ومواظبته على صلاته وصيامه وقراءته وذكره وصدقته, وسائر وجوه البر. ومن صفات النخلة "الثبات والارتفاع عن الأرض, فكذلك الإيمان ثابت فى قلب المؤمن, وعمله عال مرتفع فى السماء ارتفاع فروع النخلة, وما يكسب من بركة الإيمان وثوابه كما يُنال من ثمرة النخلة فى أوقات السنة كلها من الرطب والبُسْر (3) والبلح والزهو والتمر والطلع" (4) كما أن من صفات النخل: الاستقامة والاعتدال, والمسلم مستقيم على طريق الطاعة معتدل فى أمور دينه ودنياه, وإن كان يوجد فى بعض النخل إعوجاج فكذلك بعض المسلمين قد يكون فيهم شئ من الإعوجاج فى السلوك, وهذا لا ينفى عنهم صفة الإسلام, والمؤمن لا يعرى من لباس التقوى كما لا تعرى النخلة عن الورق, والتقوى خير زاد وخير لباس" وهذا الوصف النبوى الذى اعتمد التشبيه قد سلك طريق الإيجاز (1) بذكر أبرز الصفات التى تشابه فيها النخلة المسلم ليلفت الأنظار إلى الصفات الأخرى التى لم تذكر فى الحديث, وليشحذ المسلمون أفكارهم ويتأملوا وجوه الشبه بين المسلم والنخلة فيزدادوا معرفة بصفات المسلم من خلال النظر فى صفات النخلة, وهذا الأسلوب من أساليب توضيح المعقول بالمحسوس (2) وحث للفكر على النظر فيما بين الأشياء من وجوه الاتفاق ووجوه الاختلاف وهذا الوصف النبوى إنما هو أثر من آثار المثل القرآنى فى قوله تعالى: ?أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ? (إبراهيم: 25,24) "فأكثرالمفسرين على أن الشجرةالطيبةهى النخلة (3) ولقد قرأ النبى صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: ?ومثل كلمة طيبة كشجرة كطيبة ... ? طيبة) وقال: "هى النخلة" (4) ولقد وصف هذه الشجرة بأربعة أوصاف: الأول: قوله "طيبة" أى كريمة المنبت. الثانى: رسوخ أصلها وذلك يدل على تمكنها, وأن الرياح لا تقصفها فهى بطيئة الفناء, وما كان كذلك حصل الفرح بوجدانه. والثالث: علو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير