تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فرعها وذلك يدل على تمكن الشجرة ورسوخ عروقها, وعلى بعدها من عفونات الأرض, وعلى صفائها من الشوائب. الرابع: ديمومة وجود ثمرتها وحضورها فى كل الأوقات" (5) وهذه الأوصاف تنطبق على المؤمن تمام الانطباق, فالإيمان راسخ وثابت فى قلب المؤمن لا تزعزعه البلايا والمحن, وهو إيمان مثمر بالعمل الصالح الذى يدل على صلاح المؤمن المتصل بالملأ الأعلى, وهو إيمان يعلو على شهوات الدنيا وملاذها, ويحلق فى آفاق من السمو الروحى. وهذه الأوصاف فى الشجرة الطيبة تنطبق على أوصاف المؤمن التى سبق ذكرها تمام الانطباق, "فالمقصود بالمثل المؤمن, والنخلة مشبهة به, وهو مشبه بها, وإذا كانت النخلة شجرة طيبة فالمؤمن المشبه بها أولى أن يكون كذلك" ().

فليتأمل المؤمن فى هذا المثل القرآنى, وهذا المثل النبوى, وليتصور هذه المعانى التى تحتاج إلى إعمال العقل, وينطبق فيها المعقول على المحسوس تمام الانطباق (2) ? ... وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ? (إبراهيم: 25).

وصف حال أول من يدخلون الجنة والذين يلونهم ونعيمهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة، قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض، لكل امرئ منهم زوجتان: كل واحدة منهما يُرى مخُ ساقها من وراء لحمها من الحسن. يسبحون الله بكرة وعشياً، لا يسقمون ولا يمتخطون ولا يبصقون، آنيتهم الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب، ووقود مجامرهم الألوة – قال أبو اليمان: يعنى العود – ورشحهم المسك" (3) إننا هنا أمام لوحات وصفية رائعة لمشاهد من عالم الغيب لمنازل المؤمنين وما أعد الله لهم من النعيم فى الجنة. ولقد جاء هذا الوصف النبوى الدقيق معتمداً على التشبيه فى بعض أجزائه، ومعتمداً على العبارة الوصفية التى لا تعتمد على الصورة البيانية المعهودة من التشبية والاستعارة والكناية فى أجزاء أخرى. وبدأ هذا الوصف النبوى بذكر مراحل النعيم التى يمر بها أول زمرة تدخل الجنة من بداية دخولهم إلى حين استقرارهم. بدأ هذا الوصف بتشبيه صورة أول زمرة تدخل الجنة بصورة القمر ليلة البدر وتشبيه الذين يلونهم بصورة أشد كوكب إضاءة. وهنا سر بلاغى فى الفرق بين التشبيهين: فالتشبيه الأول جاء بصورة " القمر ليلة البدر" والوجه فيه الهيئة والحسن والضوء. والتشبيه الثانى بـ " أشد كوكب درى" والوجه فيه الإضاءة فقط (1) وهنا نقف أمام هذا النور الذى يشع من أجسادهم وصورهم، هذا النور الذى يخطف الأبصار ويبهر المتأملين، فصورة القمر ليلة البدر وما هو عليه من الضوء معروفة بما فيها من جمال شكله وحسن هيئته. إنهم حين يدخلون الجنة يكونون فى قمة الجمال والكمال والبهاء والحسن فلا يصيبهم أى مظهر من مظاهر النقص، فلقد مضت الدنيا بنقصها وبلائها، وهم اليوم فى دار الكمال لا النقصان. أما الذين يلونهم فصورتهم معروفة حين ننظر إلى الكوكب الدرى يلمع فى وسط السماء فى الليل , ولكن التشبيه هنا جاء فى الإضاءة وحدها , وهذا لا يعنى نقصان حالهم ولكن يعنى اختلافهم فى درجاتهم النعيم مع استوائهم فى أصل الكمال والبعد عن كل مظاهر النقص. (2) لقد وصفهم فى الزمرة الأولى والذين يلونهم بالإضاءة عند دخولهم الجنة، وهذا النور والضوء إنما هو نور وضوء الأعمال الصالحة، فطالما صلوا بالليل والناس نيام (3) وطالما تحملوا بلاء الدنيا وعناءها. إن طاعتهم لله قد أثمرت ذلك النور الذى يسعى بين أيديهم وبأيمانهم حيث بين ذلك القرآن بإضافة النور إليهم فى أكثر من موضع فقال تعالى: ?يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم (1) بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ (2) قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العَذَابُ? (3) وقوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير