تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ? (4) ولم يقف الوصف النبوى الدقيق لهذا المشهد الرائع المهيب عند الصورة الظاهرة وإنما انتقل إلى الصورة الباطنة، فبين أن " قلوبهم على قلب رجل واحد" (5) فلا اختلاف بينهم ولا تباغض. إننا هنا أمام صورة مكتملة المعالم فى الظاهر والباطن، فى الظاهر بالضياء والحسن والبهاء، والباطن بالطهارة والنقاء والصفاء، وهذا يظهر بلاغة الوصف فى البيان النبوى، ويؤكد ما سبق ذكره من أنه وصف كاشف جامع لكل معالم الصورة! وبعد الحديث عن كمالهم فى ذاتهم انتقل إلى الحديث عن النعيم الذى أعد لهم، فذكر الزوجين من الحور العين، وبين صفاء ورقة بشرتيهما فقال:" لكل امرئ منهم زوجتان (6) كل واحدة منهما يرى مخ ساقها من وراء لحمها من الحسن" إن هاهنا صفاءاً وبياضاً فى عظامهن ولحمهن ظاهراً وباطناً ليناسب حال هؤلاء المؤمنين فى الصفاء والنقاء، فيزداد النور والبهاء، والحسن والضياء. فما أروع هذه الصورة النبوية حين نتخيلها أمام أعيننا وقد امتزج النوران بين هؤلاء الداخلين إلى الجنة والحور العين اللائى وصفهن القرآن بأنهن: ?كَأَنَّهُنَّ اليَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ? (1) إن هذا النعيم المقيم والعطاء الجزيل ليلهمهم التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس (2) وليس المقصود بالتسبيح بكرة وعشياً الحقيقة لفناء الدنيا، وإنماالمقصود هوالديمومة (3) وبعد هذا الوصف الدقيق لصورتهم وما أعد لهم من الحور العين انتقل البيان النبوى إلى وصف حالهم "فهم لا يسقمون ولا يمتخطون ولا يبصقون, آنيتهم الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب ".ما أروع هذا الوصف الدقيق الجامع، فلقد تناول فى هذا الوصف حالهم فى الداخل، وما يحتاجون إليه فى الخارج من الأوانى والأمشاط. وهنا سر دقيق فهم لا يسقمون ولا يمتخطون ولايبصقون، وهذا ما يناسب ما هم عليه من الضياء والنقاء والصفاء والحسن والبهاء , كما أن آنيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة وفيهما من الصفاء واللمعان والبريق ما هو معلوم ... فهنا ضياء ونور وصفاء فى كل شئ، فى ظاهرهم وباطنهم، فى كل ما يحيط بهم (4) ويبدو لى هنا لوحة وصفية يشع النور من كل أجزائها فى تناسق والتئام وتلاحم، هاهم المؤمنون والنور يشع منهم، وها هى الحور العين فى صفائها ونقائها، وها هى الآنية والأمشاط فى لمعانها وبريقها، هل بقى شئ؟ نعم بقيت المجامر (1) وهى " الألوّة " (2) ولكن جعلت مجامرهم نفس العود بأن يشتعل بغيرنار (3) بل بقوله: "كن" لقد أحيط هذا الضياء بهذه الرائحة الطيبة مع رشحهم المسك فلقد جاءت الرائحة الطيبة من رشحهم ومن حولهم لتكتمل معالم الصورة، وبهذا يكون البيان النبوى قد وصف لنا حال هؤلاء الداخلين إلى الجنة وصفاً كاشفاً جامعاً. وهو وصف لمشاهد من عالم الغيب عرضها علينا فى إيجاز وفى تناسق وفى تلاحم عجيب جمع فيه بين أجزاء الصورة التى شاع النور وانتشر فى جميع أجزائها وهذه الصور الرائعة هناك روابط وقواسم مشتركة بينها وهى الضياء، والبهاء، والحسن، واللمعان، والصفاء! لقد جاء نورهم من أعمالهم الصالحة، وجاء حسنهم وبهاؤهم من طهارتهم الحسية والمعنوية فى الدنيا، فلينظر كل منا ومن خلال هذا الحديث الرائع إلى ما قدم من نور لنفسه يوم القيامة:) يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ) (4) فى تصورى مهما أوتى المرء من بلاغة وبراعة لا يستطيع أن يصف حال أهل الجنة بأبلغ مما وصفه به البيان النبوى لأن النبى صلى الله عليه يصف وصف من رأى وسمع مع ما أوتى من جوامع الكلم، والاتصال بالملأ الأعلى فى كل حين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير