تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وصف الخوارج: عن أبى سعيد قال: بعث على رضى الله عنه إلى النبى صلى الله عليه وسلم بذهبية فقسمها بين أربعة الأقرع بن حابس الحنظلى ثم المجاشعى وعيينة بن بدر الفزارى، وزيد الطائى، ثم أحد بنى نبهان، وعلقمة بن علاثة العامرى، ثم أحد بنى كلاب. فغضبت قريش والأنصار قالوا: يعطى صناديد أهل نجد ويدعنا. قال: إنما أتألفهم. فأقبل رجل غائر العينين, مشرف الوجنتين , كث اللحية, محلوق فقال: اتق الله يا محمد فقال: " من يطع الله إذا عصيت؟ أيأمننى الله على أهل الأرض فلا تأمنونى؟ " فسأله رجل قتله – أحسبه خالد بن الوليد – فمنعه فلما ولى قال: "إن من ضئضئ هذا – أو فى عقب هذا – قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد " (1) وفى رواية: " إنه يخرج من ضئضئ (2) هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم , يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ", وأظنه قال: " لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود " (3) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتى فى آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة" (4) فى هذا الحديث الشريف نحن أمام وصف دقيق يتخطى حدود المكان والزمان ليكشف لنا عن أوصاف بعض من ينتسبون إلى المسلمين ولكنهم عبء عليهم، وحرب لهم، وأمان وسلم لعدوهم .. ، هذه الفئة التى نراها ونعايشها اليوم كما كانت بالأمس وفى الماضى، وكما ستكون فى المستقبل وضع لنا البيان النبوى أوصافاً لها تكشف عن حقيقتها وتوضح فكرها ومدى فهمها للدين، وعوار هذا الفهم، والوصف النبوى هنا ينطبق عليه الخصيصة التى تحدثنا عنها من قبل، وهى أنه وصف يتجاوز حدود الزمان والمكان ليربط الماضى بالحاضر والمستقبل، وذلك لأنه خرج ممن لا ينطق عن الهوى ?إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى? (1) ولقد ذكر النبى صلى الله عليه وسلم أوصافهم فى أكثر من حديث، وسأجمع هذه الأوصاف كما جاءت فى الصحيحين وأتناولها بالتحليل البلاغى والأدبى. إنهم قوم يقرءون القرآن وفى رواية يتلون كتاب الله ليناً رطباً لا يجاوز حناجرهم. لا يجاوز إيمانهم حناجرهم. تحقرون صلاتكم مع صلاتهم (2) وليس قراءتكم إلى قراءتهم بشئ، ولا صيامكم إلى صيامهم بشئ. يقولون من قول خير البرية. حدثاء أو أحداث أو حداث الأسنان. سفهاء الأحلام. يقتلون أهل الاسلام، ويدعون أهل الأوثان. هذه عبادتهم كما جاء فى وصفهم: يقرءون القرآن ليناً رطباً لا يجاوز حناجرهم. ما أدق هذا الوصف! فهم لا نصيب لهم من القرآن إلا ترديد الألسنة لأن القرآن لم ينفذ إلى قلوبهم، إنه عند الحناجر (3) لا يتجاوزها، فلم تشرب قلوبهم حبة وفهمه كما يجب أن يكون، إنه لين (4) رطب بالنسبة لهم، سهل عليهم فى الحفظ والتلاوة، أما فى الفهم والعمل فهم لا رصيد لهم (1) فهم يرددونه ويلوون ألسنتهم به تحريفاً لمعانيه، وميلاً لأهوائهم، فصورتهم وهم يقرءون القرآن صورة خادعة لمن لم يعرف حقيقة فكرهم، فمن رآهم وهم يقرءون القرآن بسهولة ولين ظنهم من العالمين الفاقهين حيث لان القرآن لهم فى التلاوة. إن صورتهم الخادعة فى العبادة لا تقف عند قراءة القرآن، بل إن من أوصافهم " أنكم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وقراءتكم مع قراءتهم، وصيامكم مع صيامهم "، فهم يقومون الليل، ويصومون النهار، ويكثرون من التلاوة للقرآن، بل ويقولون من خير قول البرية! ولكن ليس لهم روح العبادة وإنما لهم مظاهرها وظاهرها، فهم لا يعرفون من الدين إلا القشور وكما جاء فى وصفهم " لا يجاوز إيمانهم حناجرهم". فكما أن القرآن لم يستقر فى قلوبهم فهماً وعملاً كذلك الإيمان إيمان باللسان لا بالجنان، إيمان بالأقوال لا بالأفعال، وما أبعد هذا الصنف من الناس عن حقيقة الدين. فالإيمان لم ينفذ إلى قلوبهم وإنما وقف عند حلاقيمهم، وما وقف عند الحلاقيم لا يصل إلى القلب! ولذلك فهم " يقولون من خير قول البرية " (2) كما وصفهم البيان النبوى، فكلامهم فى الظاهر حسن معسول، ولكن فى الباطن فهمهم للدين مدخول، إن عبادتهم كلها ظواهر لا رصيد لها من إيمان أو إخلاص، وقراءتهم كلها حركات

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير