تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

للألسنة والحناجر لا وزن لها من فهم أو عمل سديد. ولكن هل يقف وصفهم عند هذا الحد؟ لا، فهم "أحداث (3) الأسنان" صغار السن لم يسبروا غور العلم، ولم يعيشوا فى رحابه وقتاً كافياً فهماً وعملاً، ولم يكتسبوا الخبرة الكافية لصغر سنهم وضيق عطنهم وأفن عقولهم. وعن هذه العقول فحدث ولا حرج، ولن تجد لوصف عقولهم أبلغ من قوله صلى الله عليه وسلم: "سفاء الأحلام" (1) فعقولهم ضعيفة رديئة صغيرة (2) لا قدرة لها على الفهم والتحليل والاستنباط ولا عناية لها بمعالى الأمور وإنما عنايتهم بسفاسف الأمور، يهتمون بالقشور ويتركون الجوهر، يهتمون بالظاهر ويغفلون عن الباطن، ولا صبر لهم على فهم الدين والفقة لمقاصده، ولا ثبات عندهم أمام الشبهات، ولا رسوخ لأقدامهم فى الحق، فهم متزعزعون عند الفتن، متخبطون فى النوازل، يضعون الأدلة فى غير مواضعها، انطلقوا إلى آيات نزلت فى الكافرين فجعلوها على المؤمنين. ولهذا فهم "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " (3) وما أروع هذا الوصف الدقيق لحالهم مع الدين فهم كما يكفرون الناس على أهون الأسباب، ويأثمونهم على أصغر الأمور، هم كذلك يخرجون من الدين بنفس السرعة التى دخلوه بها، فلا ثبات لهم على الحق ولا نصيب لهم من الصبر (4) ويبدو لى فى هذا التصوير النبوى الدقيق أكثر من سر بلاغى: السر الأول: هو الصلابة والشدة عند هؤلاء فى التعامل مع الناس وفى أمور الدين، وخاصة فى سفاسف الأمور ويبدو ذلك واضحاً من خلال قوله " كمايمرق السهم من الرمية " وذلك من صفات السهم الصائب الصلب لأنه لا يكون شديد السرعة إلا بعد أن يكون قوى النزعة! فالصلابة فى السهم والقوة والسرعة فى اندفاعه تدفعه إلى الرجوع والخروج من الصيد بعد إصابته. وهذا وصف دقيق لحالهم، فهم لا رفق عندهم فى التعامل مع الناس، ويغلب عليهم جفاف الروح، وتقطيب الجبين، وتعقيد الأمور، وتضخيم الصغير، وتصغير الكبير، وهذا واقع يعرفه من عامل هؤلاء وعرف حقيقة طباعهم. كما أن صلابة السهم موجودة فى آرائهم، فهم لا يتنازلون عن آرائهم الباطلة وفهمهم المدخول، ولا يزعنون للحق (1). فصلابة الرأى من سماتهم مع فساد ما هم عليه وهذه حقيقة تاريخية معروفة عن الخوارج، وحقيقة واقعية معروفة عن أشباههم اليوم! فهم يؤثرون أن يكونوا رؤوساً فى الباطل على أن يكونوا ذيولاً فى الحق! وهناك سر آخر وهو السرعة والاندفاع عند هؤلاء، وذلك أيضاً من خلال قوله صلى الله عليه وسلم: " يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " (2) والسرعة عندهم فى الحكم على الناس بالفسق والكفر والاندفاع فى التعامل مع الناس وعدم الصبر على تحصيل العلم، والسرعة فى اتهام الناس زوراً وبهتاناً لأنهم لا يؤيدونهم فيما يذهبون إليه (3). إنهم يخرجون من الدين بنفس السرعة التى دخلوا بها فيه، وتشاهد كثيرا من ذيول هؤلاء فى عصرنا لا يلبث أحدهم فى طريق الالتزام قليلاً حتى يحيد عن الحق، ويرجع إلى سابق عهده فى الفسق لأنه لم يتعلق من الدين إلا بالقشور، بقدر ما يدخل السهم فى الصيد ويخرج منه بسرعة! وليس هناك تصوير دقيق يصور حالهم مع الإيجاز أبلغ من هذا التصوير النبوى، فهذا الحديث بالإضافة إلى أنه معجزة من معجزات النبى صلى الله عليه وسلم يشتمل على أسرار بلاغية ووصف دقيق لحقيقة هؤلاء فى كل مكان وزمان. إن أفن عقولهم، وسوء فهمهم للدين، وصلابتهم فى التمسك بالباطل، واندفاعهم فى رفض الحق يدفعهم إلى أن "يقتلوا أهل الاسلام، ويدعوا أهل الأوثان" كما وصفهم البيان النبوى (4) وهذا وصف دقيق لهؤلاء المارقين فى كل زمان ومكان، فهم يفعلون ذلك بالمسلمين استناداً إلى تأويل فاسد لآيات القرآن، وفهم مدخول لحقيقة الدين، وهذه حقيقتهم فى عصرنا كما كانت حقيقتهم فى الماضى، وكما ستكون فى المستقبل (1) إن الوصف النبوى هنا يتميز بخصيصته الظاهرة وهى أنه وصف جامع كاشف مركز على أبرز صفات هؤلاء الخوارج (2) وهو وصف متخطى لحدود الزمان والمكان. لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد " وفى رواية " لأقتلنهم قتل ثمود " (3) وفى رواية:" فأينما لقيتموهم فأقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة " (4) وفى ذلك معجزة ظاهرة للنبى صلى الله عليه وسلم، فهم مع نهية عن قتل أصلهم (وهو الرجل الذى قال لرسول الله اتق الله يا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير