تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

محمد) أراد إدراك خروجهم واعتراضهم المسلمين بالسيف، ولم يكن ظهر ذلك فى زمانه، وأول ما ظهر فى زمان على رضى الله عنه كما هو مشهور فهؤلاء بسفكهم للدماء، وفهمهم المدخول للدين، وعدم نفاذهم إلى حقيقة الاسلام يمثلون خطراً عظيماً على المسلمين، لأنهم يزعمون أنهم من المسلمين بينما يقتلون أهل الاسلام، ويدعون أهل الأوثان (5) فهم رأس الفتنة، ومنبع البلوى، ومصيبة المسلمين فيهم أكبر من مصيبتهم من أعداء الإسلام. فما أروع وأدق هذا الوصف النبوى الموجز المعبر أدق تعبير عن حقيقة هؤلاء الخارجين فى كل زمان ومكان (1)

وصف قلب المؤمن بالكرم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ويقولون: الكرم، إنما الكرم قلب المؤمن" (2) وفى رواية مسلم: " ... ولا يقولن أحدكم للعنب الكرم، فإن الكرم الرجل المسلم " وفى رواية له: " لا يقولن أحدكم الكرم، فإنما الكرم قلب المؤمن" (3). نحن هنا أمام وصف من نوع آخر، وشاهدنا فى هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الكرم قلب المؤمن" وقوله: " فإن الكرم الرجل المسلم " والوصف النبوى هنا جاء لتصحيح لفظ طالما وضع لغير معناه الحقيقى فى حياة العرب فى ذلك الوقت، وروعى فى تصحيحه الجانب الذهنى والناحية الفكرية عند الناس. فلقد كانت العرب تطلق لفظة " الكرم " على شجر العنب، وعلى العنب، وعلى الخمر المتخذة من العنب (4) فكره الشرع هذا الاسم لأنه يربط بين العنب والخمر المتخذة منه فى أذهانهم، ولأن فيه خطأ فى الفهم حيث وصفت الخمر بغير صفتها، وسميت بغير اسمها، وهذا مما يؤدى إلى التباس الأمر على بعض الناس، ويهيج فى نفوسهم الاتجاه إلى مقاربتها، ولذلك جاءهم بالاسم الحقيقى الذى لا يلتبس بغيره وهو العنب، والحَبَلة (1) وبلاغة الوصف هنا فى أن جعل " الكرم " " قلب المؤمن " أو " الرجل المسلم " فلم حول النبى صلى الله عليه وسلم الوصف هنا إلى الرجل المسلم أو قلبه المؤمن؟ ويبدو لى هنا أكثر من سر: الأول: لفت انتباه المسلم، وتحويل فكره عن كل ما يذكر بالمعصية أو يقاربها وتحويل الفكر إلى كل ما يذكر بالطاعة ويحض عليها. ويبدو ذلك واضحاً من إرادته صلى الله عليه وسلم أن يصرف أذهانهم وأفكارهم عن كل ما يتصل بالخمر من قريب أو بعيد (2) وتحويل أفكارهم إلى ما يقرب من الطاعة بربطه هذا الاسم بصفة من صفات المسلم أو قلبه المؤمن، وهى من الصفات التى يحبها الله. الثانى: ربط المسلم بالقرآن الكريم، فوصف المسلم بـ "الكرم" جاء فى القرآن حيث يقول تعالى: ( ... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم (وفى هذا تحويل للمسلم إلى الوجهة السليمة مع إضافة معان جديدة تتصل بالمسلم، وما يجب أن يكون عليه من تقوى الله عز وجل. وهذا التصويب النبوى فيه معجزة ظاهرة، فكما كانت العرب قديماً تسمى الخمر بغير اسمها فلقد نبتت نابتة اليوم تسلك نفس السبيل (3) ومن أسرار جمال هذا الحديث وصف المسلم، ووصف قلبه المؤمن بـ " الكرم " فالنبى صلى الله عليه وسلم لما بين لهم أن الخمر أم الخبائث والرجس الذى هو من عمل الشيطان صوب رأى من رأى استحقاق هذا بقلب المؤمن الطاهر عن أوضار الرجس والآثام، وأنه معدن مكارم الأخلاق، ومنبعها، ومركز التقوى، وأحرى أن يسمى كرماً، قال تعالى: ( ... فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ) وقال: ? ... أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ... ? (1) كأنه صلى اله. عليه وسلم نبه المسلمين على التحلى بالتقوى، والتزيى به، وأنه رأس مكارم الأخلاق لا ما ذهب إليه الجاهلية فسمى " قلب " المؤمن كرماً لما فيه من الإيمان، والهدى والنور، والتقوى، والصفات المستحقة لهذا الاسم، وكذلك الرجل المسلم (2).

وللإمام أبى محمد بن أبى جمرة تحليل دقيق حول الوصف فى هذا الحديث وملخصه " لما كان اشتقاق الكرم من الكرم، والأرض الكريمة هى أحسن الأرض فلا يليق أن يعبر بهذه الصفة إلا عن قلب المؤمن الذى هو خير الأشياء لأن المؤمن خير من الحيوان، وخير ما فيه قلبه لأنه إذا صلح صلح الجسد كله، وهو أرض لنبات شجرة الإيمان، قال: ويؤخذ منه أن كل خير – باللفظ أو المعنى أو بهما أو مشتقاً منه أو مسمى به – إنما يضاف بالحقيقة الشرعية لأن الإيمان وأهله وإن أضيف إلى ماعدا ذلك فهو بطريق المجاز، وفى تشبيه الكرم بقلب المؤمن معنى لطيف، لأن أوصاف الشيطان تجرى مع الكرمة كما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير