تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يجرى الشيطان فى بنى آدم مجرى الدم، فإذا غفل المؤمن عن شيطانه أوقعه فى المخالفة، كما أن من غفل عن عصير كرمة تخمر فتنجس، ويقوى التشبيه أيضاً أن الخمر يعود خلاً من ساعته بنفسه أو بالتخليل فيعود طاهراً. وكذا المؤمن يعود من ساعته بالتوبة النصوح طاهراً من خبث الذنوب المتقدمة التى كان متنجساً باتصافه بها إما بباعث من غيره من موعظة ونحوها وهو كالتخليل، أو بباعث من نفسه وهو كالتخلل. فينبغى للعاقل أن يتعرض لمعالجة قلبه لئلا يهلك وهو على الصفة المذمومة (1).

وكما جاء تصحيح الاسم والوصف من النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث بتحويل الوصف بـ " الكرم " إلى الرجل المسلم، أو قلبه المؤمن جاء وصف آخر فى مقام النهى عن وصف النفس بـ " الخبث " فقال صلى الله عليه وسلم:" لا يقولن أحدكم خبثت نفسى, ولكن ليقل لقست نفسى " (2).فلفظاً"الخبث واللقس" وإن كان المعنى المراد يتأدى بكل منهما إلا أن لفظ " الخبث" قبيح، ويجمع أموراً زائدة، فالخبث يطلق على الباطل فى الاعتقاد، والكذب فى المقال، والقبيح فى الفعال، وعلى الحرام، والصفات المذمومة القولية والفعلية (3) فكره لفظ " الخبث " لبشاعة الاسم، وعلمهم الأدب فى الألفاظ، واستعمال حسنها، وهجران خبيثها (4) أما" اللقس " فمعناه غثت وضاقت، ويختص بامتلاء الأمعاء (5) وهكذا يصحح النبى صلى الله عليه وسلم تصورات المسلمين وأفكارهم، وما ينبغى أن يوصف به المؤمن حتى ولو كان فى جانب الذم، فلا ينبغى أن يصف نفسه أو يصفه غيره بما تناهى قبحه لأن المؤمن لا يخلو من خير , فيجب أن يظهر جانب الخير فيه وينمى.

الفصل الثالث:خصائص الوصف فى البيان النبوى: بعد هذه الرحلة الممتعة فى رياض البيان النبوى أنتقل إلى الحديث عن أبرز خصائص الوصف فى حديث نبيناً صلى الله عليه وسلم من خلال ما سبق بحثه، وهذه الخصائص تشمل أحاديثاً أخرى، وهى الأحاديث التى سأشير إليها وإلى مواضعها فى نهاية هذا الفصل. ولولا خشية الإطالة لتناولتها بالبحث والتحليل البلاغى الذى يكشف عن أسرار جمال الوصف فيها، ولعل هذا العمل يكون فاتحة خير لى ولغيرى. ومن أبرز خصائص الوصف فى البيان النبوى: 1 - الاقتباس من القرآن، وتفصيل ما أجمله القرآن. ولقد اتضح لنامن خلال الأحاديث التى سبق تحليلها كيف أن البيان النبوى يفسر ما أجمله القرآن معتمداً على الوصف البليغ. كما فى حديث " وصف النخلة وتمثيلها بالمسلم " وجدنا الوصف النبوى تفصيل لمعنى الإيمان والإخلاص فى الآية السابقة.2 - الوصف النبوى وصف يقلب السمع بصراً، والمعقول محسوساً، ويصور الأمور المعنوية فى صورة حسية. وذلك كما فى حديث " وصف النخلة وتمثيلها بالمسلم " فقد رأينا كيف جسد أخلاقيات المسلم من خلال وصف النخلة. 3 - الوصف النبوى، وصف جامع، وكاشف، وموجز. وهذه الخصيصة من أبرز خصائص الوصف، وقد مضى أمثلة كثيرة لها ومنها حديث: " وصف النخلة، وتمثيلها بالمسلم"، فلقد اتضح لنا كيف جمع صفات المسلم، وكشف عن حقيقته من خلال ذكر وصف من أوصاف النخلة، وترك الباقى ليربط المسلم بين صفاته وصفات النخلة، وقد سبق فى بداية البحث عند تعريف الوصف عند البلاغيين أن أحسن الوصف ما جاء بأكثر المعانى التى الموصوف مركب منها ثم بأظهرها فيه وأولاها حتى يحكيه ويمثله للحس بنعته، ومن أمثلة هذه الخصيصة أيضاً حديث " وصف الخوارج " الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ... كيف أتى على أوصافهم فى إيجاز دقيق جامع كاشف لا يغادر صفة من صفاتهم. 4 - الوصف النبوى وصف مفتوح مع الزمان. فالبيان النبوى لكل العصور، ولكل الناس فى كل زمان ومكان، وهذه الخصيصة موجودة فى كثير من الأحاديث، وأبرزها الأحاديث التى تتعرض للفتن التى تكون بين يدى الساعة كما فى حديث " وصف الخوارج " الذى سبقت الإشارة إليه فى الخصيصة السابقة.5 - تلاحم الوصف النبوى مع الغرض المقصود. وهذه خصيصة بارزة فى كل مواضع الوصف، وأذكر منها حديث: " وصف حال أهل الجنة ونعيمهم" فالنور فى ظاهرهم، وباطنهم، وفيما حولهم ... والضياء والصفاء واللمعان والنقاء شعارهم وحالهم، وهذا هو الغرض الذى يرمى إليه الحديث، ولقد جاء الوصف بلوحاته الرائعة ليرسم لنا صورة عن حال هؤلاء تتناسب وتتلاحم مع الغرض السابق.6 - الوصف النبوى يعتمد التشبيه، والاستعارة، والكناية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير