المنجز: حين ننتهي من رحلة المشروع نصل إلى المنجز فقد نجد السكاكي يضع المعاني (عند الجرجاني) في المقدمة ثم يردفها بالبيان ونعلم أنه كان مشغولاً بالصياغة العلمية المنسجمة لعمل عبد القاهر مبتدئاً من حيث انتهى أي من معاني النحو التي هي الإعراب.
ولقد انشغل السكاسي بتعريف النظم لأنه أساس البلاغة المقامية أي بلاغة النجاعة التواصلية أو (علم الأدب).
ونجده يتصدى فجأة لتعريف الفصاحة، وإفساح المكان لها لتحل حيزاً من المجال الفسيح من علم الأدب الذي ظهر للمؤلف أنه ما يزال فارغاً بعد بناء مفهوم البلاغة.
- يبدو أن السكاكي قد حاول في البداية أن يتلافى مصطلحي بلاغة وفصاحة فراراً من حمولتها الفكرية والعقدية التي تطرقنا إليها غير أنه انتبه إلى أنه أشاع الكلمتين 0في التراث العربي كجعل السكوت عنها أمراً عسيراً وان الاحتكام إلى الذوق الذي برز كتعبير عن أزمة منهاجيه في آخر دلائل الإعجاز كما سبق، يأتي هنا كموقف مبدئي. وهذه إحدى المواعظ التي استنبطها السكاكي من قراءته المتفحصة لمشروع الجرجاني وهذا الوعي بالظاهرة التي جعل السكاكي يحدد موقفه منذ البداية مطلقاً منطلقاً من طبيعة العلم نفسه. فمهما كان العلم عقلياً فلابد له، من نظر من الاستعانة بالذوق. فكيف به إذا كان مبنياً، مثل علم المعاني أو البلاغة العامة على المواصفة والألفة.
دائرة البلاغة:-
بناءً على ما تقدم فإن بلاغة السكاسي تقع عند تقاطع ثلاثة مباحث متداخلة ومتنافرة في الوقت نفسه هي النحو والمنطق والشعر.
بلاغة الانزياح: لقد سبق أن بينا في الحديث عن علاقة البلاغة عصيره اللغة كيف أن مبحث المجاز بمعناه اللغوي الأول كان أول مجال لبحث الانزياحات التركيبية وبيان تواترها ثم حكمتها أو وظيفتها.
الدلالة الوضعية والدلالة الاستلزامية:
يعود المؤلف ليؤول أصل المعنى إلى المنزل في باب البلاغة (منزلة أصوات الحيوانات) تأويلاً يجعله قابلاً للفهم في السياق ألانزياحي، وبعبارة أخرى يعبر عنه بألفاظ الانزياح الدلالي، فيقاضيه بالدلالة الوضعية.
إن الحديث عن هذا البعد المجازي في المعاني سيدعم أكثر حين ننتقل إلى عهد الحديث عن البيان، حيث سنلتقي بالحديث عن (الدلالة الوضعية) والدلالة غير الوضعية التي سيقترح فيها المؤلف في البداية عدة أسماء ولفوت.
عرَف السكاكي البيان بقوله (وأما علم البيان فهو معرفة إيراد المعنى الواحد في طرق مختلفة، بالزيادة في وضوح الدلالة عليه وبالنقصان، ليحترز بالوقوف عن ذلك من الخطأ في مطابقة الكلام لتمام المراد منه يتضمن هذا التعريف طرفين هما:
1/ الآلية أو الأجزاء: الزيادة أو النقصان
2/ الموجة أو الغرض: مطابقة الكلام للمراد.
3/ أهمية النحو والمنطق على الوظائف البلاغية.
الانطلاق من النمو ومن المفهوم الذي أعطى لعلم الأدب: التحرز من الخطأ قد جعلهما يبسطان طلالهما على صياغة السكاكي للبلاغة العربية. أضف إلى ذلك محاولة صياغة التمويلات الدلالية صياغة استدلالية منطقية ..
البلاغة النقدية أو النقد البلاغي [قراءة في منهاج البلغاء]
يعتبر حازم عملية تكميلاً لعمل الحكماء الذين تناولوا موضوع (الشعرية) وذلك من حيث نظره في الكليات عل ضوء متن إضافي غني، وتخصيصاً له من حيث توجيه القوانين البلاغية نحو ضبط الخصوصية الشعرية لشعر أمة معنية.
لقد استوعب حازم في هذا الصدد تصور الفارابي وصياغة ابن سينا وانتدب نفسه لتداول النقض الذي أشار إليه مستعيراً أحياناً ألفاظ ابن سينا.
خطة الكتاب:
يرى حازم أن (علم البلاغة) يشتمل على صناعتي الشعر والخطابة، فهما مشتركان في مادة المعاني ومفترقان في تصور التخيل والإقناع.
فمنهاج البلغاء مكون ممن أربعة أقسام ذكرها المؤلف وذكر العلاقة بينها في آخر الكتاب، وهي اللفظ والمعنى والنظم والأسلوب.
{والتخيل في الشعر يقع في 4 أنحاء: من جهة المعني، ومن جهة الأسلوب، ومن جهة اللفظ، ومن جهة النظم والوزن}
نقد خطة الكتاب: تبدو لنا الخطة التي اعتمدها حازم لتحقيق مراهنته في الانتقال من الجملة إلي النص غير مضمونة العواقب من عدة جوانب.
1) التفريق بين اللفظ والمعني.
2) التفريق بين النظم والأسلوب.
3) التفريق بين الجملي والنصي.
4) تداخل منهاج الكتاب.
الرؤية الشعرية عند حازم:- الخروج من دائرة الصدق الكذب إلي التخيل:
إذا تجاورنا الخطة العامة للكتاب ونظرنا في مناقشة بعض القضايا والمفضلات البلاغية وجدنا لحازم اجتهادات تتسم بالعمق وبعد النظر والاستفادة من المآزق التي وقع فيها البلاغيون مثله وقد حاول حازم أن يجسم الإشكال الذي توقف عنده الجرجاني في الإسرار وأبدى فيه وأعاد، حتى وسمت لغته حيناً بالتردد بين مطلب الصدق والكذب والتخيل والصحة العقلية أو الواقعية وهذا الموقف لا مفر منه للملائمة بين التصور المرتب علي قراءة شعرية أرسطو في أطار فلسفي حيث عمقت أحيانا بين التخيل والتصديق وبين طبيعة الشعر العربي والغنائي الكلاسيكي حيث تحضر الخطابية بصور متفاوتة.
تقاطع الخطابي والشعري: يقوم تفريق حازم بين الخطابة والشعر علي أساس المكون لكل منها فالشعر مبني علي التخيل وقد يستعمل مكونات الإقناع الخطابي ضمن هيمنة العنصر الذاتي وعكس ذلك يصدق علي الخطابة التي تبنى علي العناصر الاقناعية.
وتدخل العناصر التخيلية في خدمتها ومرد التداخلات في نظرته إلي كون الشعر والخطابة يلتقيان في الغرض والمقصد وهو إعمال الحيلة في إلقاء الكلام من النفوس عجل القبول لتأثير مقتضاه
وأخيراً:-
فقد كانت بلاغة حازم في حاجة إلي قارئ يبرز جوانب برزت فيها ما تزال البلاغة العربية في حاجة إلي إبرازها إلي اليوم منها:-
1 - تكامل التخيل والتصديق في الشعر.
2 - إدماج العوض في البناء البلاغي للشعر.
3 - الاهتمام بالنص في بنيته العامة.
4 - تكامل النصي والخارجي المرجعي في بناء الأدب.
5 - الوظيفة الشعرية.