تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والجملة التي توقّف عندها الكاتب هي من هذا النوع، إلاّ أنّها –في مصطلح النحاة- جملة كبرى تداخل إسنادها، ويعنون بالكبرى تلك الجملة التي يكون صدرها مبتدأ أو ما أصله مبتدأ، وخبرها جملة لا مفرد، فيتحصّل فيها حينئذٍ إسنادان، لا إسنادٌ واحد.

ففي المثال السابق أسند المتكلّم "نظافة الشوارع" إلى "المدينة"، فالمدينة مسندٌ إليه مبتدأ، ثمّ أسند النظافة إلى الشوارع، فالشوارع أيضاً مسندٌ إليه، مبتدأ.

ولو تأملنا هذه الجملة الكبرى لرأينا أنها في الأصل جملة واحدة صغرى، لا مركبة، وهي: شوارعُ المدينة نظيفة، لكن المتكلّم قدّم من أجزائها ما هو موضع اهتمام عنده، وهو "المدينة"، وتقديمُ ما يعتقد المتكلمُ أهميته فاشٍ في اللغة الإنسانية لم تتفرد به العربيّة، فأصبحت الجملة "المدينة شوارع نظيفة"، وهي جملة مفككة لا رابط بين أجزائها، فأُصلحت بالضمير (ها)، فتداخل إسنادها، وسمّاها النحاة جملة كبرى توالى فيها مبتدآن.

فالمسألة إذن لا تقوم على سبقٍ لفظي، بل هي علاقات إسناديّة قصد إليها المتكلّم، وليس للنحويّ إلاّ أن يصفها.

وحتّى لو سلّمنا بشرط التقدّم أو السبق الذي أراده الكاتب –وهو سبق لفظيّ شكلي- فإنّه متحقق في هذه الجملة الكبرى المكوّنة من جملتين، فكلّ من المبتدأين فيها هو المتقدم في جملته، والجملتان هما:

أ-المدينة شوارعها نظيفة.

ب-شوارع المدينة نظيفة.


4 - لماذا المبتدأ اسم وليس فعلاً؟
"وماذا سيكون الفرق؟ أمورٌ لا يصح المنطق إلاّ برفضها من أساسها أصلاً" (21) ولسنا ندري عن أي منطق يتحدّث، بل لسنا ندري إن كانت القواعد غايته أم اللغة نفسها، ولا يسعنا إلاّ أن نذكّره مرّة أخرى أنّ المبتدأ في كلام العرب هو ما يجري الحديث عنه، ولذا سمّاه النحاة مسنداً إليه أو محكوماً عليه، أو مُحدَّثاً عنه، وألفى هؤلاء بالاستقرار أنّ هذه الوصاف لا تكون إلاّ للاسم، أمّا الفعل فقد قادهم الاستقراء أيضاً إلى أنّه الجزء الذي يحمل الفائدة ويُخبر به عن المبتدأ أو يُحكم به عليه، فإذا قيل "زيد قام" فإننا بذلك إنّما نخبر عن (زيد) بالقيام، فزيد هو المبتدأ لأنّه المخبر عنه، و (قام) هو المخبر به وهو محل الفائدة ولذا سميّ خبراً، ولا أظن الفرق بينهما يخفى على ذي بصيرة.
ثمّ إنّنا لو سلّمنا بما يدعو إليه المؤلّف، وهو أن يكون المبتدأ فعلاً لآل الأمر إلى نتيجة حتميّة، وهي أنّ هذا المبتدأ (الفعل) لن يكون بحاجة إلى خبر، لأنّ الفعل في حدّ ذاته خبر لأنّه مُحَدَّث به، ثمَّ إن هذا المبتدأ (الفعل) لا بدّ أن يكون له فاعل- ولا أدري إن كان المؤلف يقبل ذلك أم أنه سيفرغ الفعل من فاعله أيضاً. ومهما يكن فسوف ننتهي إلى جملة فعليّة، تسمّى عنده مبتدأ وخبراً.
ونسأله بعد ذلك: إذا كان الفعل مبتدأ فأين الخبر؟ ثمّ كيف نسميّه مبتدأ وهو يلبس ثوب الخبر؟
وإذا كان المبتدأ فعلاً فما الحكمة من استعمال العرب الجملة الاسميّة في كلامهم وما الفرق بين الجملة الاسميّة والفعليّة ... أسئلة تترك للمؤلف وحده أن يجيب عنها.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير