تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أمّا إذا أراد العربي أن يخبر عن صفةٍ خاصّة كنوم الرجل في داره قال: الرجل نائمٌ في الدار، ملتزماً ذكر الخبر، وإذا أراد أن يخبر عن مرض الطفل قال: الطفل مريضٌ، بلا حذف أيضاً، وإذا أراد أن يخبر أن هذا الطفل مريضٌ، وهو في داره، قال: الطفل مريضٌ في الدار.

وقد سمّى النحاة هذا الخبر الملتزم ذكره (كوناً مقيّداً) لأن السامع لا يُدْركه إلاّ بذكره. وعليه فإن تعليق شبه الجملة بمحذوف تقديره كائن أو موجود لا يكون إلاّ إذا دلّ الخبر على مطلق الوجود، أمّا إذا كان شيئاً مخصوصاً لا يفهم إلاّ بذكره كالمرض والنوم والجلوس والقعود والحزن فلا يجوز حذفه البتّة وعليه فثمة فرق لا يخفى على أحد بين (الطفل في المنزل) و (الطفل سعيدٌ في المنزل) (23).

وما توهمه الكاتب أنّ مسجون وحزين وسعيد هي بمنزلة كائن أو موجود إنّما هو تخليطٌ وعبث تنأى عنه ألسنة العرب وأسماع العقلاء من البشر.


6 - (ماذا) جملة!!
لفت الكاتب، على وجه العجب، نظر قارئه إلى أنّ بعض النحاة يعتبرون (ماذا) جملة اسميّة كاملة، مكوّنة من (ما) الاستفهاميّة و (ذا) التي هي اسم إشارة، ثمّ علّق ساخراً: "تأمّل عزيزي القارئ تلك البلاغة، وتأمّل الجملة التامّة التي استوفت شروط المبتدأ والخبر، وتأمّل المدلول العميق الذي يفهمه السامع عندما يقال له (ماذا) أو ما هذا؟ " (24).
وقبل أن نستغرق في التأمل نعود إلى تذكير الكاتب أن تراكيب اللغة لا تصاغ في الفراغ، وأنّ لكلّ جملة سياقاً يجب أن تنتظم في سلكه، هذا أوّلاً.
والأمر الآخر الذي أخفاه الكاتب عن قارئه هو أنّ اسم الإشارة يجب أن يتلوه الاسم المشار إليه لأنّ اسم الإشارة مبهمٌ بذاته، لا يدلّ على محدّد، وهذا المشار إليه قد يكون غير مذكورٍ في التركيب اللغوي، لأنّه مفهومٌ عند السامع، فحين يقول أحدنا لصديقه: ما هذا؟ فإنّ المتكلّم والسامع يعرفان الشيء المشار إليه، وبذلك تكون الجملة واضحة المعالم، تامّة، ذات مدلول، بل إنّ هذه الجملة أعرف من قولنا "مَن القادم؟ " لأنّ المتكلّم ههنا يجهل القادم، بخلاف الأوّل، فإن المسؤول عنه حاضرٌ مُشَاهَد (25).
وتعمَّد الكاتب أيضاً أن يحذف (ها) التنبيه التي تقترن عادة باسم الإشارة (ذا)، مع أنّ حذفها في مثل هذا التركيب، أي بعد (ما) الاستفهامية لا يكاد يُعْرَف إلاّ في بيت أو بيتين التقطهما النحاة من شوارد الأشعار (26).
ثمّ إنّ قوله: "بعض النحاة يعتبرون (ماذا) جملة ... " فيه إطلاقٌ وتعمية، لأنّ هؤلاء لا يعدّونها كذلك إلاّ إذا تعيّن أن تكون (ذا) اسم إشارة، وهو أمرٌ نادر أيضاً لم يقع إلاّ في بيت من الشعر أو بيتين (27) مسلّمين بأنّ (ماذا) أكثر ما تستعمل في كلام العرب مركّبة من (ما) الاستفهاميّة و (ذا) الموصوليّة، أو أنّها بتمامها اسم استفهام.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير