تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الكاتب أو غاب عنه- كانت ناقصة، فيقال حينئذٍ: أمسى زيدٌ مريضاً، وغالباً ما تتضمن في هذه الحالة معنى الصيرورة أو التحوّل.

فالفعل أمسى إذاً، شأنه شأن الأفعال الناقصة، له استعمالان: إذا تضمّن معنى الحدث كان تاماً، فيكتفي حينئذٍ بمرفوعه، وإذا كان الحدث لا يظهر إلاّ في الاسم المنصوب بعده، وهو الخبر، عُدَّ ناقصاً.

ب-ما في القرآن يخالف قواعد النحويّين:

فالنحاة زعموا أنّ الأفعال الناقصة ترفع اسماً وتنصب خبراً، ونحن "نجد أنّ القرآن الكريم قد خالف ذلك صراحة، حيث يقول عز وجلّ (فَسُبحانَ الله حين تمسون وحين تصبحون ([الروم:

17] .. "

فوقع الفعلان تامّين، خلافاً لما يزعمه النحاة، والسؤال بعد ذلك هو "هل لنا أن نعرف الفرق بين الفعل التامّ والناقص؟ وهنا نجد مَنْ يقول: مهلاً فهذا شذوذ، ولكلّ قاعدة شذوذها، وأنا أقول له: هذا خروجٌ صريحٌ يا سيّدي وليس شذوذاً، شئت أم أبيت، وإنّه ليستوي عندي إذا قلت: كان أحمدُ فائزاً، أو قلت: كان أحمدَ فائزٌ، أو قلت كان أحمدُ فائزٍ، أو قلت: كان أحمدْ فائزْ .. " (29).

ولست أدري إن كان هذا الصراخ نقداً يستحق الردّ عليه، ومهما يكن فإن في كلامه سعياً إلى تغييب حقائق اللغة، ومحاولة لقتل القدرة التعبيريّة الهائلة للعربيّة، وفيه أيضاً تجاهلٌ، وربما جهلٌ بجهود النحويين في وصف أحوال هذه اللغة، ولا يخلو أخيراً من مسٍّ بلغة العرب، لغة القرآن الكريم وفصاحتها.

فما ذكره أولاً أنّ ما في القرآن مخالفٌ لقواعد النحاة، بدليل مجيء أمسى وأصبح وكان تامّةً = مبنيّ على مغالطة وجهالة، لأنّ قواعد العربيّة إنما شيّدت قبل كل شيء على النّص القرآني، والدارس لقواعد النحاة لا يداخله شكّ في أنّ ما قام به هؤلاء النحاة ما هو إلاّ وصفٌ أمين للغة القرآن، ووقوعُ بعض الأفعال الناقصة تامّة مكتفية بمرفوعها في بعض استعمالاتها أمرٌ لا يقتصر على القرآن وحده بل هو شائعٌ في كلام العرب شعراً ونظماً، وهو أمرٌ عرفه النحاة قبل المؤلّف ورصدوه رصداً دقيقاً، وانتهوا بعد الاستقراء إلى أنّ الأفعال الناقصة تزول عنها هذه الصفة إذا استعملها المتكلّم متضمنّة معنى الحدث، دالّةً على معناها الأصلي الذي وضعت له، والنحاة كما أسلفت هم الذين وقفوا على أمر هذه الأفعال وتبيّنوا أحوالها، وساقوا من الشواهد ما يدلّ على ذلك، وهي شواهد لا شذوذ فيها إلاّ في مخيّلة المؤلّف، بل هي من تمام القاعدة، فانقسام (كان) إلى تامّة وناقصة شيء يعود إلى طبيعة استعمالها في السياق، وهو ضربٌ من الاتساع في التعبير الذي اتسمت به العربيّة، وانقسام (كان) إلى هذين القسمين لا يختلف عن انقسام (رأى) إلى بصريّة تتعدّى إلى مفعول واحد، وقلبيّة تتعدّى إلى مفعولين، ولا يختلف أيضاً عن قولهم إنّ (جَعَل) تُستعمل بمعنى صيَّر فتتعدّى إلى مفعولين، وبمعنى (أنشأ) فتكون فعلاً ناقصاً من أفعال الشروع، وبمعنى (ظنّ) .. وبمعنى (وجَدَ) ... ومثل هذا كثيرٌ في العربيّة، وهو دليلُ غِنى في وسائل التعبير، لا الشكل.

ولو سلّمنا بمخالفة القرآن لما في القواعد لانتهينا إلى مخالفة القرآن نَفْسَه، لأنّ هذه الأفعال الناقصة استعملت في القرآن ما يزيد على ألف مرّة، منها ما وقعت فيه ناقصة، وهو الأكثر، ومنها ما وقعت فيه تامّة اكتفت بمرفوعها (30)، وعليه فإنّ هذه الأفعال –سيقودنا إليه المؤلف- استعملت بشكل عشوائيّ، مرّة تكتفي بمرفوعها، وأخرى لا تكتفي به بل تحتاج إلى ما يتمّم معناها، وهو المنصوب بعدها، وهكذا فاللغة العربيّة عبثية، وإذاً يجب أن نستبدل بها لغة أخرى (إفرنجية)!!.

أمّا تساؤله عن الفرق بين الناقص والتام من الأفعال فجوابه أنّ مبتدئاً لو سمع قولنا (بات الرجل في الفندق) وقولنا (بات الطريق معبّداً) لأدرك بفطرته الفرق بين الفعلين، وما ذكره أخيراً من أنّ الحركات لا قيمة لها، وإنّه ليستوي عنده ... أمرٌ يعنيه وحده، كما قال.


أرجو القراءة للأهميّة ومن ثم تشجيعي على الإستمرار

يتبع

ـ[موسى أحمد زغاري]ــــــــ[04 - 03 - 2006, 05:10 م]ـ
نحن معكم أستاذ جمال
أكمل لو سمحت

ـ[أنا البحر]ــــــــ[05 - 03 - 2006, 10:25 ص]ـ
شكرا لأستاذنا جمال الشرباتي على هذا النقل النافع.

وقد شغلت في الفصل الماضي بمسألة إصلاح النحو وتجديده في إحدى المواد فكان مما خرجت به من هذه المادة أن إصلاح النحو العربي بين الباحثين قد سلك أحد طريقين:
1. إصلاح النحو بإعادة النظر إلى الأصول التي قام عليها.
2. تيسيره وتقريبه من المتعلمين.

ولو تأملنا ما قدّمه كثير من دعاة التجديد وإصلاح النحو العربي لم نرى شيئا ذا بال, وما هي إلا زوبعة في فنجان كما يقول الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة-رحمه الله- في حديثه حول كتاب الرد على النحاة لابن مضاء القرطبي.

ورحمه الله حين قال:"نحن حريصون على قواعد النحو ... لا تعصبا للقديم ولا حبا في التقليد ولا رغبة عن الجديد وإنما حرصنا عليها لأنها الوسيلة لاستقامة ألسنتنا وسلامة أقلامنا, وإن استطاع دعاة التجديد أنّ يبتدعوا لنا قواعد أخف حِمْلا, وأقرب تناولا وأيسر تداولا, تغني غناء قواعد النحو وتسد مسدها, إن استطاعوا ذلك فنحن على استعداد لأن نُقبل عليها, وننصرف عن قواعد النحاة بل وعلى استعداد لأن نلقي كتب النحو في البحر" (النحو بين التجديد و التقليد للأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة. مجلة كلية اللغة العربية. العدد السادس 1396هـ)

شكرا لأستاذنا جمال الشرباتي مجددا ...
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير