تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن الحمدَ لله نحمدُه ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمداً صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عبدُ اللهِ ورسولُهُ وحبيبُهُ وخليلُهُ، أَرْسَلَه بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.

وبعدُ؛ فإنَّ الله تعالى منَّ على هذه الأمة بحفظ دينها من الزيادة والنقص والتبديل، كما قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)؛ وليس معنى حفظ الذِكر في هذه الآية هو حفظ ألفاظ القرآن، وحْدَها، من الضياع والنقص والزيادة والتغيير، بل هو حفظ ألفاظ القرآن وما يبين معانيها.

ولا يخفى أن أهمَّ وأوَّل ما يبينُ القرآنَ هو شيئان أولهما سنةُ النبي الذي أُنزل عليه القرآن، محمد، صلى الله عليه وسلم، والثاني اللسان الذي نزل به القرآن وقت نزوله، وهو لسان العرب في ذلك الوقت.

ولقد هيأ الله لحفظِ لغة القرآن علماء عباقرة حَفَظةً يجوبون أقطار الأرض ليتتبعوا ألفاظ الفصحاء والبلغاء من بقايا العرب الذين لم تخالطهم عُجْمةٌ ولم تَشنهم لكنةٌ؛ لا يثنيهم عن ذلك بعد الديار ولا مشقة الأسفار، فحفظوا لغة القرآن وقيدوها، ثم صنفوها، ثم شرحوا معانيها بأوضح ما يكون من الشرح والبيان وأبْلغِه؛ بل كان من هؤلاء من شرح مفردات القرآن أو فسره، وذلك في كتب غلب عليها اسم (معاني القرآن).

وأما السنةُ فكان شأنها أهم وأعظم، وكان حفظها أعجب وأغرب؛ وذلك لكثرة أعدائها الحاقدين عليها، من كل حريص أشد الحرص على إضاعة السنة وتبديلها، أو تحريفها وتأويلها، أو هجرِها وتعطيلها، يعينهم في ذلك كثير من مبتدعة المسلمين وفسّاقِهم وجهلتِهم.

ولكن يأبي الله إلا أن يُتمَّ نورَه، فأنشأ - تبارك وتعالى - برحمته وحكمته، لحفظ السنة وشرحها وتبليغها، علماءَ عقلاءَ أتقياءَ أنقياء، متحرّين متبحّرين، متثبتين محتاطين، أئمةً لو وُزنوا في رسوخهم بالجبال لوَزَنُوها، أو طاولوا في منازلهم النجوم لعلََوها، وكانوا – حقّاً زينةَ هذه الأمة، ومفخرتَها، وورثةَ نبيها صلى الله عليه وسلم، وحملةَ أسباب هدايتها، وكذلك شأنهم إلى يوم القيامة.

ولقد كان لهؤلاء الأئمة - ولمن سار على دربهم من العلماء بعدهم - في علمهم هذا، وهو علم الحديث، قواعدُ أصَّلوها وفصّلوها، ومصطلحاتٌ وضعوها وبينوا معانيها – أو أشاروا إليها - وتداولوها.

فلذلك صار مَن أرادَ أنْ يقترفَ من بحرهم، أو يأخذَ عنهم بعضَ علمِهم، مضطرّاً إلى معرفة تلك القواعد وتلك المصطلحات.

فلا بد لطالب علم الحديث الذي يطمعُ أن يكونَ من أهله أن يتمكن من معرفة أربعة أبواب منه؛ وذلك هو القدر الأدنى الذي لا يمكن الاقتصار على ما كان دونه؛ وإليك بيان هذه الأبواب:

الباب الأول: مصطلحات المحدثين.

الباب الثاني: قواعدهم.

الباب الثالث: تراجم كبار المحدثين ومناهجهم ومسالكهم وشرائطهم وخصائصهم، ولا سيما النقاد منهم.

الباب الرابع: أنواع كتب الحديث ومحتوياتها ومراتبها وطرائقها وشروطها وتواريخها وتراجم أصحابها.

وفيما يلي تفصيل في هذه المطالب الأربعة، وبيان لوجه اشتداد الحاجة إلى معرفتها.

أما المصطلحات:

فإنما تطلب معرفة معانيها لأنها دخلت في لغة القوم واستُعملت في مؤلفاتهم، فكما لا يمكن لأحد من الناس فهمُ كلام المحدثين بدون معرفة لغتهم الكبرى، أعني العربية؛ فكذلك يتعذر على العربي – فضلاً عن غيره - فهمُ كثيرٍ من كلام المحدثين ما لم يكن عالماً بلغتهم الصغرى، أعني مصطلحاتهم.

وهذا الكتاب الذي بين يديك مختص في الجملة بهذا الباب العظيم من هذه الأبواب الأربعة.

وأما القواعد:

فعليها ابتناء العلم، إذ هي أصله وأساسه وميزانه ومقياسه.

وأما علماء الحديث:

فإنه لا بد لطالب علم الحديث من معرفتهم، فليس يسعه الاستغناء عنها.

وما المعنيُّ هنا معرفة أسمائهم وتراجم وجيزة لهم، فقط، بل المراد معرفة سيرهم، وتمييز منازلهم، ومعرفة مناهجهم ومسالكهم وشرائطهم وخصائصهم، في كتبهم خاصة، وفي علمهم عامة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير