الأمة هي الوسط في الأمم، فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة، وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدوية وغيرهم، وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم، وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية، وفي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الرافضة والخوارج.
و هو سبحانه فوق سماواته على عرشه بائن على خلقه، وهو سبحانه معنا بعلمه أينما كنا يعلم ما نحن عاملون، كما جمع بين ذلك في قوله: {هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ".
وليس معنى قوله: {وهو معكم " أنه مختلط بالخلق فإن هذا لا توجهه اللغة، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان.
.
فصل
وقد دخل في ذلك الإيمان بأنه قريب مجيب كما جمع بين ذلك في قوله: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب " الآية - وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحته " وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته، لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته فإنه سبحانه ليس كمثله شئ في جميع نعوته، وهو عال في دنوه قريب في علوه.
فصل
ومن الإيمان بالله وكتبه الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأن الله تكلم به حقيقة، وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد - صلى الله عليه وسلم - هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقة، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئاً لا إلى من قاله مبلغاً مؤدياً، وهو كلام الله حروفه ومعانيه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني ولا المعاني دون الحروف؟
• 2 ـ توحيد الألوهِيَّة:
و هوإخلاص العبادة لله سبحانه و تعالى لا شريك له، فلا يعبد إلاَّ الله وحده، و لا يدعى إلاَّ هو، و لا يلتجأ لكشف الضر إلاَّ إليه، و لا لجلب الخير إلاَّ إليه، و لا ينذر و لا يذبح إلاَّ له، و لا يتوكل إلاَّ عليه، و لا يستغاث إلاَّ به عز و جل.
و يسمَّى هذ النوع أيضاً بتوحيد العبادة لأنها هي أسُّه و موضوعه، و العبادة اسم جامع لكلِّ ما يحبُّه الله من الأقوال و الأفعال الظاهرة و الباطنة، من الدعاء و الخوف والرجاء و التوكل و الرغبة و الرهبة و الخشوع و الخشية و الاستعانة و الاستغاثة و الذبح و النذر إلى غير ذلك من أنواع العبادة، و صرف شيءٍ من هذا إلى غير الله شرك بالله، و منافاة لكلمة التوحيد التي أرسل لأجلها الرسل.
ـ و هذ النوع من التوحيد هو الذي أخلَّ به المشركون في عهد الرسول عليه الصلاة و السلام فصرفوا العبادة لشركائهم من دون لله عز و جل، و لأجل ذلك لم يدخلوا في الإسلام، و قاتلهم الرسول عليه الصلاة و السلام، و استحلَّ دماءهم و أموالهم، قال تعالى {و ما يؤمن أكثرهم بالله إلاَّ و هم مشركون}.
.
ثمَّ اعلم أنَّ مشركي زماننا من القبورية و أهل المشاهد و المزارات أعظم شركاً من المشركين في عهده عليه الصلاة و السلام لعدَّة أسباب:
1ـ أن المشركين في عهده عليه الصلاة و السلام كانوا يصرفون العبادة لشركائهم حتَّى يقربوهم إلى الله عز وجل و يشفعون لهم عنده.
و يقولون: {ما نعبدهم إلاَّ ليقربونا إلى زلفى}، (و يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله}
أما هؤلاء القبوريون فيقصدون تلك القبور بالدعاء، و يثبتون لشركائهم من أهل القبور تصرُّفاً و تأثيراً في الكون، و حمايةً للبلد الموجود فيه، و يقصدونها استرزاقاً، و التجاءاً، و استشفاءاً من الأسقام، فالله المستعان.
ـ2 ـ أنَّ المشركين في عهده عليه الصلاة و السلام كانوا يشركون في الرخاء، و يخلصون لله عز و جل عند الشدَّة، قال تعالى: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، فلمَّا نجَّاهم إلى البرِّ إذا هم يشركون}.
و قال تعالى: {و إذا مسكم الضرُّ في البحر ضلَّ من تدعون إلاَّ إيَّاه}
¥