، و هذا النوع من الشرك كثير الوقوع لخفائه، فلذلك يسمَّى بالشرك الخفي، قال ابن عباس رضي الله عنه: (الشرك في هذه الأمَّة أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل).
و من شرك التسوية:
أـ الحلف بغير الله من غير قصدِ تعظيم المحلوف به، فإن قصد تعظيم الله المحلوف به كتعظيم الله فهو شرك أكبر، مثل قول (وحياتك) أو (و شرفي) أو (والنبي) أو (و الكعبة).قال عليه صلاة والسلام: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) رواه الترمذي وحسنه و صححه الحاكم.
ب ـ العطف فيما بين لفظ الجلالة و من بعده بحرف الواو الدالِّ على التسوية بين الله عز وجل و خلقه.
مثل: قول (ماشاء الله و شئت)، أو (ماشاء الله و فلان)، (ما لي إلاَّ الله و أنت) أو (لولا الله و أنت)، فقد روى النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ رجلاً قال للنبي صلى الله عليه و سلَّم: ماشاء الله و شئت. فقال: (أجعلتني لله نداًّ؟ قل ماشاء الله وحده).
فالواجب أن يعطف بين لفظ الجلالة و مابعده بحرف (ثمَّ) الدال على التراخي لا التسوية، فيقول (ماشاء الله ثم شئت)، أو (ماشاء الله ثم فلان)، (ما لي إلاَّ الله ثم أنت)، أو (لولا الله ثم أنت).
لما روى الإمام أحمد والنسائي عن قتيلة: أنَّ يهودياَّ أتى النبي صلى الله عليه وسلَّم فقال: إنَّكم تشركون، تقولون: ماشاء الله وشئت، و تقولون: و الكعبة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولوا: و رب الكعبة، و أن يقولوا ماشاء الله ثمّ شئت).
فيقول (ماشاء الله ثمَّ شئت) و (لولا الله ثمَّ أنت) و (ما لي إلاَّ الله ثمَّ أنت).
4 ـ شرك التأثير و هو نسبة الأشياء غير أسبابها أو إلى غير مؤثِّر مع اعتقاد جعل الله عز و جل لها، فإن اعتقد تأثيرها لذاتها دون جعل الله عزَّ و جل لها فذلك شرك أكبر و هو شرك التصرف.
و هو ثلاثة أنواع:
اعتقادي:
كالاعتقاد بتأثير البروج أو الطالع أو الاعتقاد بالزجر و الكهان و ضرب الرمل و قراءة الكف و نحوه، ولكن مع اعتقاد جعل الله عز و جل لها.
قولي:
ومن ذلك الاستسقاء بالأنواء و هو قول الرجل (مطرنا بنوء كذا)، أو قول (أدركت كذا من الرزق بتأثير برج كذا أو طالع كذا).
و من ذلك قول (لولا) في حال دلالتها على رجوع التأثير إلى غير الله عز و جل، مثل قول (لولا المطر لهلك الزرع)، و (لولا البط لسرقت الدار).
و من ذلك: مسبة الدهر و نحوه على سبيل التسخط، ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر و أنا الدهر، أقلِّبُ الليل و النهار)، و في رواية: (لا تسبُّوا الدهر فإنَّ الله هو الدهر)، و من مسبة الدهر مسبة الريح أو الحمَّى.
فعلي:
1 ـ لبس الحلقة و الخيط لرفع البلاء أو دفعه.
2 ـ تعليق التمائم خوفاً من العين و غيرها، فهذه إذا اعتقد المرء أنَّها أسبابٌ لرفع البلاء أو دفعه، فهذا شرك أصغر، لأنَّ الله عز وجل لم يجعلها كذلك، أماَّ إن اعتقد أنها تدفع البلاء بنفسها فهذا شركٌ أكبر، لأنه تعلق بغير الله.
قال عليه الصلاة و السلام: (من تعلّق شيئاً وُكِلَ إليه) رواه أحمد و الترمذي، و في الصحيح عن أبي بشير الأنصاري أنه كان مع النبي عليه الصلاة و السلام في بعض أسفاره، فأرسلَ رسولاً: أن لا يبقينَّ في رقبة بعير قلادةٌ من وترٍ ـ أو قلادةٌ ـ إلاَّ قُطِعت).
3 ـ التطير و التشاؤم، قال عليه الصلاة و السلام: (الطيرة شرك).
و كفَّارة الشرك الأصغر بأنواعه قول الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم:
(اللهمَّ إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً و أنا أعلم، و أستغفرك من الذنب الذي لا أعلم).
تنبيه:
ليعلم أن هذا النوع من الشرك لا يخرج من الاسلام إذا اعتقد أن ذلك السبب مؤثرٌ لا بذاته، بل بتقدير الله عز و جل، أمَّا إذا اعتقد أن السبب مؤثرٌ بذاته، و له تصرفٌ دون الله أو معهُ عز و جل، فذلك شرك التصرف و هو شركٌ أكبر مخرج من الإسلام.
¥