فمن ذلك ما رواه نوفل بن المطهر قال: (كان بالكوفة رجل يقال له حبيب المالكي، وكان رجلا له فضل و صحبة فذكرناه لابن المبارك فأثنينا عليه، قلت: عنده حديث غريب، قال ما هو؟ قلت: الأعمش عن زيد بن وهب قال (سالت حذيفة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحسن، ولكن ليس من السنة أن تخرج على المسلمين بالسيف)
فقال هذا حديث ليس بشيء، قلت له: إنه، وإنه، فابى، فلما أكثرت عليه في ثنائي عليه، فقال: عافاه الله في كل شيء إلا في هذا الحديث هذا حديث كنا نستحسنه من حديث سفيان عن حبيب، عن أبي البختري عن حذيفة) , وفي رواية أخرى عن ابن المبارك أنه قيل له: إنه شيخ صالح، فقال ابن المبارك: هو صالح في كل شيء إلا في هذا الحديث
فنكارة الحديث لم تزل عند المبارك بثنائهم على هذا الرجل وأنه صالح وذلك أنه يعرف انه قد تفرد به سفيان بالإسناد الآخر، فقوله: كنا نستحسنه من حديث سفيان ـ أي نستغربه.
وسئل احمد عن حديث ابن المبارك عن مالك بن أنس عن ابن المنكدر عن أنس بن مالك عن النبي ? (من جلس إلى قينة صبَّ في أذنة الآنك يوم القيامة)
وقيل له: رواه رجل بحلب، وحسنوا الثناء عليه، فقال: (هذا باطل)
فالحديث باطل عند أحمد ولم يلتفت على الثناء على من رواه، ولم يسأل عنه من هو؟
وروى الهذيل بن الحكم عن عبد العزيز بن أبي رواد عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي ? (موت الغريب شهادة)
والهذيل بن الحكم هذا قال فيه البخاري، وابن حبان: (منكر الحديث) زاد ابن حبان (جدا)
وقال العقيلي (لا يقيم حديثه) , وأما ابن معين فإنه قواه، قال الجنيد: (سألت يحيى بن معين عن الهذيل بن الحكم فقال: قد رايته بالبصرة وكتبت عنه ولم يكن به بأس، قلت: ما روى عن عبد العزيز بن أبي رواد ... ، قال يحيى: هذا حديثه الذي كا يسال عنه ليس هذا الحديث بشيء، هذا حديث منكر)
فهذا الحديث منكر عند الجميع من ضعف الهذيل ومن قواه والذي قواه هو ابن معين ولم يمنعه من استنكار الحديث كون المتفرد ليس به بأس عنده.
وروى عمرو بن أبي عمرو المدني عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي ? قال: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) , وهذا الحديث استنكره جماعة من النقاد
فنقل ابن رجب عن أحمد قوله:كل أحاديثه عن عكرمة مضطربة, ثم قال ابن رجب: (لكنه نسب الاضطراب إلى عكرمة، لا إلى عمرو)
وقال ابن معين: (ثقة ينكر عليه حديث عكرمة عن ابن عباس أن النبي ? قال (اقتلوا الفاعل والمفعول به)
وقال البخاري: (صدوق لكن روى عن عكرمة مناكير، ولم يذكر في شيء من ذلك انه سمع عكرمة) وتعلق الترمذي برواية عمرو بن أبي عمرو، وقد أخرجه هو من طريق عبد العزيز الدراوردي عن عمرو وذكر الترمذي أن محمد بن إسحاق رواه عن عمرو، فقال فيه (ملعون من عمل عمل قوم لوط) ولم يذكر القتل. ونقل ابن حجر أن النسائي استنكر هذا الحديث، ولم يذكر السبب.
فاتفق هؤلاء النقاد على ضعف الحديث ونكارته، ثم عزى أحمد ذلك إلى عكرمة، وابن معين إلى عمرو، وأراد البخاري تبرئتهما باحتمال أن يكون عمرو لم يسمع من عكرمة، فالعهدة على الواسطة الذي لم يذكر، وأما الترمذي فتعلق بمن دون عكرمة
ومثله ما رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: (قالوا يا رسول الله متى وجبت النبوة؟ ... )
قال الترمذي: سألت محمدا عن هذا الحديث فلم يعرفه، ثم قال الترمذي: (وهو حديث غريب من حديث الوليد بن مسلم، رواه رجل واحد من أصحاب الوليد) , فظاهر كلام الترمذي أنه يجعل العهدة على راويه عن الوليد بن مسلم، وهو عند الترمذي أبو بدر شجاع بن الوليد، وقد تقدم قريبا عن أحمد أن الخطأ من الأوزاعي.
وروى الليث بن سعد عن بكير بن الأشج عن عبد الملك بن سعيد الأنصاري عن جابر بن عبد الله (أن عمر بن الخطاب قال هششت فقبلت وأنا صائم ... ) الحديث
قال أحمد عن هذا الحديث: هذا ريح، ليس من هذا بشيء , وقال النسائي بعد أن أخرجه: (هذا منكر، رواه بكير بن الأشج ـ وهو مأمون - عن عبد الملك - وقد روى عنه غير واحد ـ فلا أدري ممن هذا) وعبد الملك هذا قال فيه النسائي (ليس به بأس)
¥