هل تعرف يا أخي الحبيب ما هي المشكلة؟ المشكلة أن الفرنجة لم يخترعوا لنا – عندما اخترعوا حروف الطباعة – أقول لم يخترعوا لنا هذا الحرف الناقص: (الهمزة المكسورة فوق الألف)، فلا يوجد في حروف الطباعة، وتخلو منه لوحة المفاتيح، فيضطر العلماء حين يطبعون كتبهم أن يتغاضوا عن هذا الخطأ الإملائي، في مثل (نبإ) و (سبإ) و (ملإ)، وعدّوه من باب (الضرورة الطباعية) مثل (الضرورة الشعرية)، لأن هذا الحرف ناقص لا يوجد في المطابع.
لكن (الضرورة الشعرية) لا تلغي القاعدة النحوية، فإذا صرف الشاعر ما هو ممنوعٌ من الصرف للضرورة الشعرية، لا يكون ذلك مبررا لجعل ذلك جائزا في النحو، وكذلك (الضرورة الطباعية)، إذا اضطر العلماء إلى قبول هذا الخطأ الإملائي في الكتب لضرورة الطباعة – لعدم وجود حرف (الهمزة المكسورة فوق الألف) في لوحة المفاتيح– فإن هذا لا يجعل هذا الخطأ الإملائي صوابا أو جائزا.
ربما أكون قد أكثرت عليك، وربما آخرُ الكلام يُنسيك أوّلَه، وربما غمض عليك قصدي كما غمضت إجابتي على سؤالك أو شبهتك في كتابة اللام ألف، فضحكتَ منها وعليها (في المشاركة رقم 51) ثم أعدتَ سؤالك قائلا:
(مع العلم - =استفزاز= (ابتسامة) - = أنك لم تجبني على شبهتي! السابقة):
ثم كررتَ شبهتك بقولك:
فالهمزة في كل الحالات تحت اللام؛ سواء كانت في أولها أو آخرها. إلا إن كنت ستطيل قاعدة الألف لتخترق اللام وصولاً لرأس! الهمزة (ابتسامة).
مع العلم بأن إجابتي التي ضحكت منها كانت (الإجابة التفصيلية) على هذه الشبهة، لم تصل إليك فضحكت عليها ثم كررت نفس السؤال! نعم يا أخي الحبيب، الأمر كما تقول: إن الألف طالت لتخترق اللام وصولا لرأس الهمزة، وقد شرحت لك ذلك بالتفصيل الممل، فقلت لك:
(الذي يهمك في هذه القضية: أين تنتهي اللام وأين تنتهي الألف؟
إن الألف في (لإ) بدأ مائلا من أعلى، ونزل وقطع اللام، ثم تحرك تحت اللام أفقيا إلى اليسار، ثم انتهى بالتقائه باللام.
ف (نقطة الالتقاء) هي نهاية الحرف الذي توضع تحته الهمزة (كما هو في الواقع)، وليس (نقطة التقاطع) [الأولى] للألف مع الهمزة.
وكلمة (الأولى) خطأ، لأن معناها أن هناك أكثر من نقطة تقاطع، لكني ذكرتها لأفرّق بين النقطتين اللتين تلتقي فيهما الألف من اللام:
• الأولى مجرد نقطة تقاطع، لا ينتهي بها حرف الألف.
• والثانية (نقطة التقاء)، عندها ينتهي حرف الألف وحرف اللام معا.
ولما كانت (نقطة التقاطع) ليست نهاية حرف الألف لكي توضع تحتها الهمزة، لم يضع القرآن تحتها همزة.
ولما كان (نهاية حرف الألف) هو نقطة التقاء الألف مع اللام، وضَع القرآنُ الهمزةَ تحت نقطة الالتقاء، التي يلتقي فيها (نهاية حرف الألف ونهاية حرف اللام معا)، فجاء بهذه الصورة: (لإ).
فلا خطأ في الرسم القرآني ولا في الرسم الإملائي للألف المهموزة المكسورة بعد لام التعريف في أول الكلمة، لأنها موضوعة في نهاية الألف، تحت الألف).
وبعد أن شرحت لك هذا الشرح التفصيلي، إذا بي أجدك تكرر نفس السؤال، وكأني لم أكتب شيئا ... فسكتُّ ... فإن الشبهة التي قلتها ضاحكا، هي الحق على ما هو عليه.
وسكوتي أمر طَبَعي، فأنت إذا سألك شخص سؤالا، فأجبتَهُ إجابة تفصيلية، فإذا به يقول لك: (ها ... لم تجبني على سؤالي)، ثم كرّرَ السؤال، ماذا ستفعل معه؟ هل ستكرّرُ الإجابة، أم ستسكت؟
فكيف إذا كان هذا الشخص حبيبا إلى قلبك، صاحب فضل عليك وعلى كثير من الناس؟
الأفضل أن أسأل سؤالا يبسّط المسألة، ويوضح المراد:
لو أن قواعد الإملاء تمنع كتابة الكلمات من مثل (نبإ) و (سبإ) و (ملإ) بهذه الصورة، ولو كتبها طالب بهذه الصورة فإنه يرسب، أيكون من الأفضل أن تخترع (الحرف الناقص) (الهمزة المكسورة والمنونة بالكسر فوق الألف) لتلافي هذا الخطأ عند الكتابة بالكمبيوتر، أم تترك هذا الخطأ الإملائي على الكمبيوتر كما هو؟
لا أعتقد أنك ستقول إن الأفضل إبقاء الخطأ كما هو، فهذا يخالف قوله تعالى: ?الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ?، ومحال أن يكون الخطأ هو أحسنه.
أغلب الظن يا صديقي أنك غير مصدق لي في القول بأنه خطأ إملائي، ولقد جرت سنة الحياة أنّ مَن لا يريد أن يصدّقَ شيئا لا يُجدي معه الشرح، ولا تنفعه كثرة الأمثلة، ?سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا?.
لكن حل هذه المشكلة سهل بسيط: سل يا أخي غيري من أعضاء مجمع اللغة العربية - فأنا عندك مجهول العين مجهول العدالة- اذهب إلى مجمع اللغة العربية، في الزمالك، وقابل الدكتور كمال بشر، واسأله عن كتابة مثل (نبإ) و (سبإ) و (ملإ)، هل يصح؟ فإن طال عليك المشوار فاذهب إلى دار العلوم في جامعة القاهرة، واسأل أي واحد من أساتذة اللغة العربية هناك، فكلهم – ولله الحمد – أساتذة فضلاء، سلهم يا أخي، وخذ الفتوى اللغوية من أهلها، ولا تعتمد على عقلك ولا على علمك، لأنك لست من اللغويين، ولكن اعتمِدْ على عقل اللغويين وعلمهم، فهم الحجة عليك وعلى كل أحد في مجال اللغة، والحجة في كل علمٍ أهلُه.
واعلم يا أخي الحبيب أن خطك الذهبي سوف تُطبَعُ به كتب السنة، فكن حريصا على تنزيه الخط الذي يُطبع به حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الخطأ، باتباع المنهج العلمي في البحث، بسؤال ? أهل الذكر? ... اللغويين، ويعلم الله أنه لولا هذه النقطة لما أضعت دقيقة من وقتي في هذا الشرح الطويل، بيد أني أحتسب وقتي هذا، كما أحتسب صلاتي وصيامي.
¥