وهل توافقني على أن زيادة الوضوح للقارئ – العامي قبل العالم، والضعيف في اللغة قبل المتضلع فيها – ميزة يجب أن نحرص عليها، أم تراه عيبا من الأفضل أن نستغني عنه؟
(عود إلى مشكلة الهمزة):
قلت لك يا أخي الحبيب إن أكثر ما خالف فيه (الخط الإملائي) (الخط القرآني)؛ الهمزة. لأننا غير ملتزمين في (الخط الإملائي) (بالخط القرآني)، بل ملتزمون بالوضوح مع الصحة اللغوية.
- فمما خالف فيه (الخط الإملائي) (الخط القرآني) كتابة الهمزة على ألف في: (أرأيت) و (أرأيتم)، وهي في (الخط القرآني) على السطر؛ (أرءيت) و (أرءيتم).
- ومنها مخالفة (الخط القرآني) في الهمزة التي على الألف الطرفية، كمافي كلمة (خطأً)، فهي في القرآن على كشيدة بعد الطاء وقبل الألف [النساء 92].
- ومنها مخالفة (الخط القرآني) في الهمزة التي على الألف في (يَسْأَلُكَ)، فهي في القرآن ليست على الألف، ولكن على كشيدة بعد السين [النساء /153]
- ومنها مخالفة (الخط القرآني) في الهمزة التي (على نبرة)، مثال ذلك كلمة (أُوْلَئكَ)، في (الخط الإملائي) نكتبها بوضع الهمزة فوق النبرة، وتحت الهمزة كسرة، لكن في (الخط القرآني) تكتب بوضع الهمزة المكسورة تحت النبرة.
- ومثلها كلمة (الملائكة)، في (الخط القرآني) تُكتب الهمزة المكسورة تحت النبرة، وفي (الخط الإملائي) تُكتب الهمزة المكسورة فوق النبرة.
- ومثلها كلمة (طآئِفَة)، و (ورائكم) وكثير من الكلمات على شاكلتها.
وموضع الشاهد هو أن (الخط الإملائي) لا يُشترَطُ فيه الالتزام (بالخط القرآني)، بل قد يعتبره خطأ في الإملاء، بمعنى لو أن تلميذا في امتحان الإملاء كتب (الملائكة) بوضع الهمزة تحت النبرة سيرسب، لأنه خطأ إملائي، رغم أن الطالب قد كتبه بالصورة القرآنية، لأنه في (امتحان إملاء)، لا في معهد القرآن الكريم يشرح (الخط القرآني).
ومثال ذلك كلمة: (الملأ) (المجرورة)، لو كتبها التلميذ في حصة إملاء بهذه الصورة (الملإ) سيرسب، لأنه خطأ إملائي، فالخط الإملائي يختلف عن (الخط القرآني) في كثير من مواضع الهمزة، ولو كتبها طالب عندنا بهذه الصورة فإنه يسقط حتى لو كانت إجابته صحيحة، لأنه لا يصح أن يتخرج الطالب ويصير مدرسا للغة العربية وهو جاهل بقواعد الإملاء.
ومثلها أيضا (نبأ) و (سبأ) وأمثالهما، لو جاءت مجرورة فكتبها طالب (نبإ) و (سبإ)، فإننا نشطب على إجابته، لأنه خطأ إملائي، ولا يصح أن يصير الجاهل بقواعد الإملاء مدرّسا للغة العربية.
تقول لي: لكنها موجودة هكذا في القرآن! فأقول لك: لقد ضربت لك العديد من الأمثلة على مخالفة (الخط الإملائي) (للخط القرآني)، ونحن مقيدون في خارج القرآن بقواعد (الخط الإملائي).
وأضيف لك فأقول: إن ما تظنه (بالخط القرآني)، لم ينزل من السماء بالصورة التي تراها، فالخط الذي تراه في المصاحف، غيّر فيه العلماء بما يسهّل القراءة، ويحقق (الوضوح) و (البيان) و (عدم اللبس)، مثل الآلاف من همزات القطع التي أضافها علماء الإسلام بعد اختراع الفرنجة لحروف الخط العربي في المطبعة، وهي لم تكن موجودة في المخطوطات المكتوبة باليد قبل ذلك.
بل إن التشكيل الذي تراه أيضا لم يكن موجودا في المصاحف المخطوطة الأولى، ثم زاده العلماء إلى المصحف ليتحقق (الوضوح) و (البيان) و (عدم اللبس) و (الأمن من الخطأ) عند قراءة القرآن.
وعلامات الوقف والوصل، مثل (صلي) و (قلي) و (ج) و (م) و (لا) لم تنزل من السماء، ولم يأمر بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث نبوي، ولم يأمر بها الصحابة في أثر عنهم، ولكن أضافها القراء ليتلو القارئ القرآن قراءة صحيحة، ولإرشاده إلى مواضع الوصل والوقف.
ولأنه مجهود بشري، تختلف المصاحف في هذه العلامات، ففي مصحف تجد في موضع (قلي) بينما تجده في مصحف آخر (صلي)، ولا ضير، وهذا شيء لا يمس القرآن وصحته من قريب أو بعيد، هذا اجتهاد القراء والخطاطين.
واجتهادهم في الخط غير ملزم للمجامع اللغوية في الخط الإملائي، لذا نكتب في الخط الإملائي (الملائكة) بوضع همزة مكسورة (فوق) النبرة، رغم أنها في القرآن (تحت) النبرة، ونكتب (نبأ) و (سبأ) و (ملأ) المجرورين بوضع همزة مكسورة (فوق الألف)، رغم أنها في القرآن (تحت الألف).
¥