أحسست بهذا بعد أن رد عليّ صاحب (الأَلِيف)، و (يُخَطِّأ)، وبعد جولة صغيرة في الإنترنت، وجدت فيها مصائب في بعض المواقع التي تهتم باللغة والنحو، بل صدم عيني عندما فتحت جريدة الأهرام أن أجد عنوانا كبيرا يقول عن حسام وإبراهيم حسن: (التوءم ... )، وهذا الخطأ في العنوان يستحيل أن تخطئه عين المصحح اللغوي للأهرام، وظل هذا الخطأ يتكرر طوال المقال، ويتكرر كل يوم، وإذا كان المصحح اللغوي المتخرج في دار العلوم يجهل قواعد كتابة الهمزة، أفيعلمها غير المتخصصين؟
وبعد أن جمعت كتبي وسننت قلمي، وشرعت في الكتابة مع الإحالة إلى المصادر لتكون الحقائق موثّقة، أتاني نَهْيُ أخي أبي رقية عن التوسع في الموضوع لأني قد صدّعت دماغه، أو كما قال:
(يا أخي الفاضل:
هَوِّنْ عليك، وأَرِحْ نفسَكَ -وأدمغتَنا- من متابعة تلك الصفحات الطوال! التي تتناقش في أمور اصطلاحية لا تخطئة فيها.
فلا تسود الصفحات الطوال لتثبت أن هذا خطأ وذاك لا يجوز!!؛ بل الكل جائز وحسن بحسب اختيار الناس وأذواقهم وما اعتادوا عليه وفهموه.
ولأنك لستَ نبي الرسم والإملاء؛ ولا أنا كذلك؛ فَأَرِحْ -بَالَنَا- وَبَالَك).
فتوقفت عن كتابة البحث على الفور، لعدم رغبة صديقي في القراءة، فإن لأبي رقية في القلب لَمَكَانًا لا يدانيه مكان، وإن لمقامه في النفس لَمَكَانَةً لا تدانيها مكانة.
وهذا أمر قد يستغربُهُ كثيرٌ من المعاصرين، الذين يتوهمون أن المناقشة واختلاف الرأي وعلو الصوت في المناقشة دليل على الإِحَنِ في القلوب، والضغائن في الصدور، وطلب الغلبة، وما ذاك إلا لأن المعاصرين يتجادلون انتصارا للنفس، وطلبا للغلبة، لا انتصارا للحق وطلبا للهدى، ولو أنهم طلبوا الحق لكان انتصار الخصم – في الحق – أحب إليهم من انتصارهم في الباطل، ولما بَقِيَ في النفس أدنى حزازة من المناقشات العلمية، فالحقُّ أحبُّ إلى المسلم المتدين من نفسه ومذهبه وأحبابه، ومن كل مَن كان يعينه على الخطأ أو يدله عليه.
ولعلك قد قرأتَ مشاركة (خزانة الأدب) في تخطئتي، في كتاب (معجز أحمد) المنسوب للمعري، وكنت قد نقلت رأيا من منتدي الفصيح يثبت فيه صاحبه أن الكتاب للمعري، وكتبت الرابط الذي يؤدي إلى الصفحة التي فيها هذا الرأي، ففنّد (خزانة الأدب) هذا الرأي بالبرهان والدليل ناسبا الأدلة الخطأ إليّ! فشكرتُهُ ودعوتُ له بلساني وقلبي، لأنه صحّحَ معلومةً لديّ، وأهداني معلومةً لم تكن عندي، ولم أزد عن أن قلتُ في نفسي: أحسن الله عزاءنا في الدكتور عبد المجيد دياب محقّق الكتاب، فالرجل (طلع نصاب).
وهكذا من يطلب الحق يحبه أكثر من حبه لنفسه وأهله وأصدقائه، فعبد المجيد دياب هذا صديقي، ورغم ذلك لم أدافع عنه بالباطل، وشكرتُ من دلني على أنه (غير أمين) ... فالحق أحق أن يُتّبع.
لكن اسمح لي أن أنوه إلى شيء بسيط من كلامك عن الألف اللينة، فإن لها علاقة بموضوعنا، إن الألف اللينة في المصحف يا أخي رمز، مثل سائر الرموز التي توضع على حروف المصحف، (والرمز يُغْنِي عن جملة):
فرمز (صِلِي) معناه: الوصل أولى.
ورمز (قِلِي) معناه: الوقف أولى.
ورمز (لا) معناه: لا تقف.
ورمز (م) معناه: الوقف ممتنع.
(ورمز الألف اللينة معناه: مد النفَس في الفتحة حركتين).
ورمز (??) معناه: مد النفَس في الفتحة أربع حركات، فإن كان بعدها شدة تمد النفس بمقدار ست حركات مثل قوله تعالى: (ال?م?)؛ أول آية في سورة البقرة.
ولذلك تجد في سورة الفاتحة في المصحف (م?لك)، في قراءة حفص، لتمد فتحة الميم بمقدار حركتين، أي تنطق ألفا، لكنك لا تجدها في مصحف ورش، لأن فيه (مَلِك) لا مالك، فالألف اللينة أدى إلى معنى يؤدي إلى اختلاف القراءة، واختلاف معنى الآية.
لكنك ستجد في كلمة (أُوْلَئِكَ) [البقرة 2/ 5] أنه توجد الألف اللينة وفوقها حرف المد (??)، فالألف اللينة رمز للألف، رمز (لفتحة ممدودة بمقدار حركتين)، وحرف المد رمز (لمد الفتحة بمقدار أربع حركات)، مثل وضعها في (جآء) نصرُ اللهِ والفتح، فالألف التي جاءت صريحة في (جاء) لم تُكتَب صراحة في (أُوْلَئِكَ)، ولكن (رُمِزَ إليها) بالألف اللينة، ثم وُضِعَ فوقها حرفُ المد (??) مثلما وُضِعَ حرف المد فوق الألف في جاء.
¥