وسبب وضع الألف اللينة على الألف المنقلبة إلى ياء، مثل (هدى) و (الأعلى)، للإعانة على صحة القراءة من ناحية، وللتفرقة بينها وبين الياء من ناحية أخرى، فالياء – في المصحف – لم يكونوا يضعون تحتها نقطتين كما يريد الفاضل أبو رقية أن يفعل للتمييز بين الياء والألف، في المصحف لم يكونوا يضعون تحت الياء نقطتين، وإلى اليوم في الخط الإملائي لا يكتب أحد تحت الياء نقطتين، عندنا في مصر على الأقل، ولا أعرف الخط الإملائي في باقي البلاد العربية، المهم أن هناك الملايين لا يكتبون نقطتين تحت الياء، والمصحف لا يضع نقطتين تحت الياء، ففرّق اللغويون والخطاطون - كُتّاب المصحف - بين الألف والياء بهذه الألف اللينة.
ولأنهم مقيدون بأحكام القراءة، حذفوها عند عدم مد النفَس بمقدار حركتين، لأنها في الترتيل تفيد (مد النفَس في الفتحة بمقدار حركتين)، فإذا ما جاءت الكلمة مضافة مثل (هُدَى الله) تُحذف الألف اللينة من على الألف، لأنك (لا تمد نفسَك بمقدار حركتين)، بل أنت تقول: (هُدَالله)، فمددت فتحة الدال بمقدار حركة واحدة، فحُذِفَت الألف اللينة.
وكذلك عندما تجيء الكلمة منوّنة، مثل (هُدًى للناس)، تُحذَف الألف اللينة من المصحف، لأنك لم تمد نفَسك بمقدار حركتين، بل أنتَ قرأتها هكذا: (هُدَنْ للناس)، فمددتَ نفَسَكَ - في فتحة الدال - بمقدار حركة واحدة (لا حركتين)، ثم نطقت بعدها نونا.
ولأن الألف اللينة في المصحف رمْز يُعين على القراءة، فإنها تُحذَف في أي موضع لا تُمَدُّ فيه الفتحة بمقدار حركتين، وهذا هو الذي سبّب اللبس عند أخي الحبيب أبي رقية، حين رأى أن الألف اللينة لا توضع باضطراد في المصحف، ولما لم يكن يعلم القاعدة، لم يهتم بوضعها في الخط الذهبي، وبعد إلحاح جعل ذلك اختيارا، لأنه ظن أنها ليست قاعدة مضطردة في المصحف.
وغاب عن الأخ الحبيب أنها توضع في المصحف تبعًا لقاعدة مضطردة لا خُلْفَ فيها، وهي القاعدة التي شرحناها.
كما غاب عنه أننا نتكلم عن (الخط الإملائي) لا عن (الخط القرآني)، فإذا كانت في القرآن رمزا قرآنيا يعين على التلاوة، مثل سائر الرموز القرآنية، فهي في (الخط الإملائي) رمز إملائي لا رمز قرآني، رمز معناه: (هذه ألف). للتفرقة بين الألف والياء.
ولهذا استخدمها الكتاب والعلماء قرنا بعد قرن في الخط الإملائي بهذا المعنى، فصار معهم ذلك قاعدة وأمرا مضطردا، وأعتقد بصفتك من المحققين أنك عندما ستقلّب في المخطوطات ستجدها قاعدة مضطردة، فلا تُحذَف في حالتي التنوين والإضافة، لأنها في (الخط الإملائي) تُستخدَمُ بمعنى: أن هذا الحرف المكتوب ياءً، ألف وليس ياءً.
ولا حرج عليهم في ذلك، فإن الخط الإملائي ليس منزلا من السماء، بل هو نتيجة جهود اللغويين على مدار العصور، وانظر إلى الكتاب لسيبويه، وأدب الكُتّاب للصولي، وأدب الكاتب لابن قتيبة، والجمل للزجاجي، وكتاب الهجاء لابن درستويه، والألفاظ المهموزة وعقود الهمز لابن جني، وباب الهجاء للرماني النحوي، والشافية لابن الحاجب، وصبح الأعشى للقلقشندي، تجد العجب من الخلاف بين القدماء في صور الكتابة، ومنها آراء شاذة تثير الضحك وتعجب كيف أنها صدرت من عالم كبير يشار إليه بالبنان، لذا لم يكتب لها الحياة، بل هي مذكورة كرأي فقط، ولم يطبقها أحد.
كل هذا يدلك على أنه الخط الإملائي ليس منزلا من السماء، وأنه نتيجة جهود اللغويين العرب، ولو كان منزلا من السماء لما اختلفوا وتضاربت آراؤهم فيه، ولاتبعوا الخط كما جاءهم عن الصحابة والتابعين.
بيد أن خط الصحابة والتابعين لم يكن فيه شَكْلٌ ولا إِعْجَامٌ [الشّكْلُ حركات الإعراب كالفتحة والضمة ... والإعجام إزالة العجمة بوضع النقط فوق الحروف وتحتها]، فلا توجد في الخط القرآني في عصر الصحابة نقطة تحت الباء، ولا فوق النون، ولا نقطتان فوق التاء، ولا تحت الياء، لذا فرّق اللغويون المتأخرون عن عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين بين الألف المنقلبة وبين الياء: بالألف اللينة، ولم يكتبوها في عند التنوين في (هدًى) والإضافة في (هدى الله) لأنك لم تنطق ألفا، كما شرحت لك من قبل.
¥