تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد تحدثت في الفصل الثاني عن أدب المقالة عند محمود محمد شاكر, وأن هذا المجال من الكتابة هو الذي استوعب أعظم أعماله, كـ "أباطيل وأسمار" و"نمط صعب ونمط مخيف", وأن شاكراً كان يزاحم كبار كتاب العصر في كبريات المجلات الأدبية, كالرسالة والمقتطف والبلاغ والمجلة والثقافة والمسلمون وغيرها, وأن هذه المجلات قد شهدت نشاطه الفكري والأدبي. ثم توقفت عند أنواع هذه المقالات, وأن المقالة الأدبية هي التي كانت تستأثر بأعظم جهده, حيث كان يستعرض من خلالها الكتب التي تظهر حديثاً ويبدي غير قليل من الآراء النقدية في منهجها وقضاياها, كما كان يرد على بعض الكتاب الذين يتعرضون لبعض أعماله بالنقد, ويعالج كثيراً من القضايا الأدبية والنقدية, في القديم والحديث.

أما النوع الثاني من المقالات, فهو المقالة الاجتماعية التي أسهم فيها شاكر بقضية الإصلاح الاجتماعي التي استأثرت بجهود غير واحد من المفكرين في الأربعينات حيث ظهرت الدعوة قوية إلى بعث الإحساس الاجتماعي بالحياة, وضرورة إشعال سرج الهداية التي تأخذ بأيدي الحائرين في دياجير الظلمات, من خلال إصلاح نظام التعليم, والرغبة بالنفس عن تقليد الآفات الجتماعية القادمة من الحضارة الأوربية.

وأيضاً, فقد قَذَفَ شاكر بنفسه في غمار السياسة, وكتب طائفة كبيرة من المقالات السياسية التي تؤكد على ضرورة اليقظة السياسية, والتنبه لمكائد المستعمرين, وضرورة جلائهم عن بلاد العروبة والإسلام, وضرورة توجيه القوى العربية الإسلامية في وجه هؤلاء الغزاة, وبث الدعوة إلى الجهاد للدفاع عن ديار الإسلام وبيضة المسلمين.

أما المقالة الدينية, فقد عنيتُ بها المقالات التي قصرها شاكر للحديث عن موضوع ديني, ولم أرد المقالات التي تسري فيها الرؤية الدينية, فهذا شيء يستوعب أغلب إنجازاته, فقد كان شاكر من أكبر الدعاة إلى الحفاظ على الاستمرار الوعي الديني بالحياة. ويلحظ المتتبع لمقالات شاكر قلة مقالاته الدينية بالمعنى المتخصص, ليتفرغ لسد ثغرة الأدب والوقوف في وجه الدعاة إلى إفساده.

وقد ختمتُ هذا الفصل بحديث عن أسلوب شاكر وسماته المميزة القائمة على الأصالة والوضوح وما يقتضيه الاستطراد والتكرار, وما يتخلل ذلك من الحدة, والإدراك الدقيق لأسرار البيان العربي, ودلالة ذلك كله على شخصية شاكر, بحيث غدا كاتباً كبيراً من أصحاب الأساليب الذين يشار إليهم بين كتاب العربية ومبدعيها الكبار.

أما الباب الثاني, فقد تبلور حول البعد النقدي في شخصية محمود محمد شاكر, وانضم على فصلين, تحدثتُ في الأول منهما عن الآفاق النظرية لمفهوم النهج كما تبلور على يد شاكر, حيث كان للنزاع بين القديم والجديد في مطلع هذا القرن العشرين, أثر حاسم في صياغة موقفه النهائي من قضية المنهج, وانحيازه الصريح إلى ثقافته العربية الإسلامية, ليتفرغ بعد ذلك لصياغة منهجه النابع من صميمها, وقد تنبه شاكر إلى مجموعة من الضوابط العميقة لمفهوم النهج ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بمفهومه للثقافة وارتكازها على أصل أخلاقي هو الدين أو ماكان في معنى الدين, وبمفهومه للتجديد وكونه منبثقاً من كيان ثقافي متكامل متميز, وإلحاحه على نظرية الإعجاز القرآني وضرورة اتخاذه أصلاً عظيماً في دراسة الأدب والتاريخ. وأن هذا المنهج لم يكن بدْعاً ابتدعه شاكر, بل هو عميق الصلة بالموروث من خلال العلاقة الحميمة بجهود بعض النقاد الكبار الذين سبقوه كابن سلام الجمحي وعبد القاهر الجرجاني, بحيث يمكن القول بأن هذا المنهج ينتحي على فكرة الاجتهاد, وضرورة تجاوز الإنجازات السابفة في إطار الحياة الأدبية العربية.

تستند هذه المقدمات النظرية إلى مفهوم عميق لقراءة النصّ, سمّاه شاكر منهج "التذوق", وهو عبارة عن عملية استيعاب شاملة لدلالات النص الظاهرة والخفية, واستبصار بارع يقوم على القراءة التحليلية الدقيقة من خلال مفهومين في غاية الدقة والكفاءة هما: "الإبانة" و "الاستبانة".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير