تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن كان المراد به الحث على العبادة والزهد في الدنيا، وحمل النفس على مكارم الأخلاق، مع الحرص على اقتفاء السنة في ذلك من غير غلو ولا شطط، ولا إتيان بطرق من التزهد والتعبد لم يفعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا صحابته الكرام - رضي الله عنهم -فهذا حق، وإن كنا لا نسلم بالتسمية (التصوف)؛ لأنها تسمية حادثة بعد القرون المفضلة.

وإن كان مرادكم بالتصوف الذي حثَّ عليه هؤلاء الأئمة هو التوسل بالصالحين، ودعاؤهم فهذا من أعظم الكذب والافتراء عليهم، وكيف يستجيز عاقل قرأ سيرهم أن ينسب ذلك لهم، وإليك بعضاً مما نقل بعض هؤلاء الأئمة أنفسهم في هذا المقام الخطير، ومن لم أجد نقلاً عنه، نقلت عن بعض أتباعه الذين قرروا ما قاله أئمتهم رحمهم الله جميعاً.

أما فيما يتصل بمذهب الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه -، فيقول العلامة محمد بن سلطان المعصومي - رضي الله عنه - وهو من علماء الحنفية - في كتابه (حكم الله الواحد الصمد في حكم الطالب من الميت المدد، ص: (315) ضمن مجموعة رسائل، بعد أن ذكر ما يقع فيه بعض الجهال من الاستغاثة بالأولياء والصالحين: (يا أيها المسلم العاقل الصحيح الإسلام، تدبر وتفكر، هل ثبت أن أحداً من الصحابة - رضي الله عنهم - نادى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته أو بعد مماته من بعيد واستغاث به؟ ولم يثبت عن أحد منهم أنه فعل مثل ذلك! بل قد ورد المنع من ذلك، كما سأذكره - إن شاء الله تعالى - إلى أن قال: وها أنا أذكر من نصوص المذهب الحنفي - من الكتب المعتبرة والفتاوى المشهورة - ففي شرح القدوري: "إن من يدعو غائباً أو ميتاً عند غير القبور، وقال يا سيدي فلان ادع الله تعالى في حاجتي فلانة زاعماً أنه يعلم الغيب، ويسمع كلامه في كل زمان ومكان، ويشفع له في كل حين وأوان، فهذا شرك صريح، فإن علم الغيب من الصفات المختصة بالله تعالى، وكذا إن قال عند قبر نبي أو صالح: يا سيدي فلان اشف مرضي، واكشف عني كربتي، وغير ذلك، فهو شرك جلي، إذ نداء غير الله طالباً بذلك دفع شر أو جلب نفع فيما لا يقدر عليه الغير دعاء، والدعاء عبادة، وعبادة غير الله شرك) ... (ثم نقل المعصومي عدة نقولات عن أئمة الحنفية مما يدل على هذا المعنى).

وأما الإمام مالك، فقد نقل عنه كلمات في هذا الموضع تؤكد ما ذكرنا، ومن ذلك قوله: "أكره تجصيص القبور، والبناء عليها، وهذه الحجارة التي يبنى عليها" كما في المدونة (1/ 189) والكراهة في كلام الإمام مالك هنا كراهة تحريم كما بين ذلك أصحابه، العالمون بكلامه.

وقال رضي الله عنه: (لا أرى أن يقف عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو، ولكن يسلم ويمضي) كما في صيانة الإنسان (ص: 264).

وقال القرطبي المالكي في تفسيره (10/ 380): "وقال علماؤنا (يعني المالكية): "ويحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد) انتهى.

والمعنى - كما بينه القرطبي نفسه في نفس الموضع السابق - لأجل ألا يؤدي ذلك إلى عبادة من فيها، كما كان السبب في عبادة الأصنام، فحذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من مثل ذلك، وسدَّ الذرائع المؤدية إليه.

وأما الإمام الشافعي - رضي الله عنه - فقد نقل عنه نحو ما نقل عن الإمام مالك - رضي الله عنه -، وأما أتباعه فكلامهم في التحذير من الشرك، وبيان وسائله كثير جداً، فمن ذلك قول النووي - رحمه الله -: (ويكره تجصيص القبر والبناء والكتابة عليه، ولو بنى مقبرة مسبلة هدمت" كما في السراج الوهاج (1/ 114).

وقال في شرحه لصحيح مسلم 5/ 13 - 14: (قال العلماء إنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ مقابر من الأمم الخالية - لما احتاج الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كثر المسلمون، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه - ومنها حجرة عائشة - رضي الله عنها - مدفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله؛ لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام، ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا، حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر).

وأما الحنابلة، فكلامهم في هذا الموضع أشهر من أن يذكر لكثرته، ومن ذلك:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير