لقد كان لتعدد المدارس العلمية وتنوعها الأثر الإيجابي في توفر المخطوطات في كل محافظة ومدينة يمنية بدون استثناء، غير أن الفارق بين منطقة وأخرى قد يكون في حجم هذه المخطوطات ونوعياتها، التي تشتمل إجمالاً، حسب تأكيد عبد الملك المقحفي أمين عام دار المخطوطات لـ 'المجلة' على 30 علمًا رئيسيًا، والكثير من الفروع، وأهمها: المخطوطات القرآنية، العلوم اللغوية والفكرية والأصولية، والتاريخ والأدب والسير، وعلوم الرياضيات والهندسة والمساحة والفلك، والزراعة، والطب.
ويضيف المقحفي: إن هذه المخطوطات تتميز بالتخصص الدقيق في العلوم، كما تتميز المخطوطات الرقية القرآنية بتنوع خطوطها؛ كالحجازي والكوفي والصنعاني، وغيرها الكثير من الخطوط ذات الأشكال الهندسية غير المنقوطة، إضافة إلى أن المخطوطات القرآنية تحمل في بداية كل سورة أرقامًا توضح عدد كلمات كل سورة وعدد حروفها.
مليون مخطوطة:
يقول الباحث عبد الوهاب المؤيد: إن التقديرات لما يوجد في اليمن من مخطوطات قد تفاوت تفاوتًا كبيرًا؛ حيث يقدرها البعض بمليون مخطوطة، والبعض الآخر مائتي ألف.
ويمكن اعتبار الرقم الأخير هو الأقرب إلى الصواب، لأنه يحصي هذه المخطوطات بحسب العناوين، بينما الأول يعتبرها بحسب المجلدات والأجزاء، ليسجل مثلاً: كتاب 'الانتصار' للإمام يحيى بن حمزة، القرن الثامن 18 مخطوطًا حسب أجزائه الـ 18، بينما يعتبره الأخير مخطوطًا واحدًا باعتبار عنوانه، ومثله 'العلم الشامخ' للإمام المقبلي، و' البدر الطالع' للإمام الشوكاني ..
وتتناثر الآلاف من المخطوطات في أماكن عدة من اليمن، أبرزها: المدارس والمساجد العلمية، ولدى مسؤولي الأوقاف في المحافظات، إضافة إلى المكتبات الخاصة برجال العلم.
ويؤكد الباحث المؤيد وجود مخطوطات كثيرة قادرة في خطوطها وموضوعاتها وقدمها، ومنها: مخطوطة القرآن الكريم بخط الإمام علي بن أبي طالب، التي توجد في الجامع الكبير بصنعاء، وكذا 'أساس البلاغة' للزمخشري، المنسوخة سنة 748هـ، وتوجد في مكتبة الذارحي بصنعاء، ومخطوطة 'قلادة النحر' في التراجم، وهي بمكتبة الأحقاف بتريم، ومؤلفها بامخرمة، ونسخت نهاية القرن العاشر الهجري، بالإضافة إلى الكثير من المخطوطات التي يعود نسخها إلى ما بين عامي 300 و 700 هجرية.
مخطوطات في سقف الجامع:
ويقول عبد الملك المقحفي إن محتويات الدار من المخطوطات الرقية القرآنية 1400 صفحة و 800 مصحف غير مكتمل، منها 300 مصحف مزخرف، وكلها جلدية ونادرة على المستوى العالمي، وتم الحصلو عليها مصادفة عندما تهدم أحد جوانب سقف الجامع الكبير بصنعاء عام 1972، وتنحصر تواريه هذه الرقوق ما بين القرنين الأول والرابع الهجري. أما المخطوطات الأخرى الموجودة في الجزء الغربي للجامع الكبير فتحتوي على 4000 مجلد مخطوط يضم كل مجلد ثلاثة كتب، أي بواقع 12000 عنوان لكتاب ورسالة و10000 مخطوطة موجودة في مكتبة دار المخطوطات.
تاريخ من السرقات:
وعلى الرغم من أهمية هذه المخطوطات التي تعد كنوزًا لا تقدر بثمن، إلا أن يد العبث امتدت إليها نهبًا وتهريبًا منذ زمن بعيد يصعب تحديد بدايته، والكثير من المؤشرات تدل على أن هذه العمليات قديمة جدًا؛ حيث يشير إلى ذلك الكثير من المصادر، ومنها: كتاب 'من كوبنهاجن إلى صنعاء' الذي وصف رحلة نيبور موضحًا أن هذا الرحالة أخرج معه من اليمن عددًا كبيرًا من الصناديق المملوءة بالمخطوطات.
غير أن أحدًا لم يكن يشعر بذلك أو يهتم به، نظرًا لغياب الوعي، وعدم وجود من يهتم بهذا الكم الهائل من المخطوطات التي تتناثر في أماكن ومناطق عديدة في اليمن، وخاصة في المدارس والمساجد العلمية التي كانت قائمة في مختلف المحافظات اليمنية، بالإضافة إلى ما تختزنه بعض المكتبات الشخصية التي تعتبر ملكيات خاصة، وهو ما سهل عمليات المتاجرة بها وتهريبها.
¥