تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن القارئ للمجموعة القصصية "قطف الأحلام" يجد أنها تنهض على تيمة الحلم الذي هوا لكلمة المحور والمفتاح في مجموع القصص المشكلة لهذه المجموعة.

والأكثر من هذا هو أن بنية القصص و لغتها اللتان تنهضان على تيمة الحلم، تجعل القاص يكرر لفظ الحلم عبر مراحل قصصه، و هذا التكرار ليس بالمفهوم القدحي، الذي يسيء للقصص، بل يجعلها تتحرك وتنهض في شكل درامي حيوي من أجل خلخلة هذه الأحلام و إخراجها إلى الواقع، وتفجير هذه المكبوتات التي تتصارع فيما بينها داخل لاشعور الإنسان.

لكن القاص حاول تمهيد الطريق أمامها للتعبير عن نفسها و البوح بما تقاسيه وتعانيه من ضغوطات و إكراهات، فرضتها جهات أخرى كبلت ألسنة الإنسان العربي، ومنعتها من التعبير صراحة عن نفسها دون قيود.

يؤكد فرويد "أن البطل الحالم مسؤول عن أحلامه، مثلما هو مسؤول عن أفعاله في الواقع، لأن الأحلام تراكمات ما عاشه البطل في حالة اليقظة"

وبهذا المعنى تأتي هذه الأحلام كطريقة وأسلوب للتعبير عن الذات الحالمة، الذات الواعية التي تريد نقل هذه الأحلام من اللاشعور إلى الشعور، بل تحاول مرات متعددة رغم الصعوبات تحقيقها على مستوى الواقع.

ولهذا السبب فإن القارئ ل"قطف الأحلام" يلاحظ بأنها من حيث الحمولة و الدلالة، مفتوحة على كثير من القراءات، وتتعدد القراءات بتعدد الرؤى الخارجية إلى العالم.

إن البطل الحداثي في هذه القصص وبمعنى من المعاني، يرفض تلك الرؤية الموحدة الانهزامية، التي ترقب من بعيد وترصد الواقع دون تغييره، إن البطل هنا يرفض هذه النظرة الأحادية البعد و يدعو إلى رؤية إلى العالم بعين حداثية نافذة و ناقدة ومنتقدة بل ناقضة للواقع.

و يظهر لنا هذا، من خلال البطل عبد المغيث الذي رفض الواقع الراهن وتجرأ من أجل خلخلة الماء الراكد (عاش عبد المغيث حالما يحمل على ظهره صورة أبيه و جده الأول ..... يتفيؤ ظل شجرة ملعونة .. يغمس يديه في علبة الذاكرة، ويطلق العنان لتلك الأسئلة المتلاطمة في بؤبؤ الأعماق) شرود

إن البطل هنا في هذه القصة يتصف بصفة المحرك، الذي يهدف إلى تخطي واقع الآباء والأجداد، والطموح إلى عالم أفضل من خلال رؤية وزاوية مغايرة ومخالفة للساكن المعهود.

و القاص البويحياوي ينطلق من البنية الجوانية، لمعرفة البنية البرانية، بمعنى أنه يكشف النفس ويعريها من أجل تصحيح مسارها، و بتصحيح مسار النفس يمكن تصحيح مسار الواقع، لأن الواقع يبقى مضطربا إذا بقيت النفس مضطربة.

وبهذا فإن هذه المجموعة القصصية "قطف الأحلام" بشكلها و مضمونها، تكسر مقولة موت البطل عند رولان بارث، فالبطل في هذه القصص حاضر على مستوى التركيب النحوي و الصرفي، و حاضر كذلك على المستوى النفسي و الدلالي، فلا يمكن للقارئ، الناقد إزاحة الذات الكاتبة، لأنها مرتبطة كل الارتباط بالأحداث و بالفضاء الزمكاني الذي تتحرك فيه الشخصيات الممثلة للأدوار.

غير أن القاص لم يعبر مباشرة عن رؤاه إلى المجتمع، لكي لا يسقط في الخطاب الشعبوي العادي الذي يوظف الأحلام توظيفا مبسطا، بل عبر عنه من خلال مجموعة من التخيلات و الإيحاءات التي تعطي للعمل الأدبي خصوصياته الأدبية.

فنجد بأن هذه القصص مغلفة برموز تخيلية تدفع القارئ إلى الغوص في أعماق النصوص للخروج بالمتعة الفنية و اللذة الجمالية.

ومن أجل الوصول إلى هذا المعنى الخفي كان لابد على القاص البويحياوي من اعتماد الرموز التي تحرر المعنى من سيطرة التفسير الخارجي، وتجعل القارئ يتأمل، ويغوص في أعماق النصوص لاستخراج الدلالات و الحمولات الفكرية، واعتماد القاص على الترميز لا يعني الوقوع في الغموض المبهم، بل اعتمد على الترميز المعتدل الذي يستدرج القارئ إلى كشف هذه الرموز.

من هنا تطرح علاقة القارئ بالنصوص في هذه المجموعة القصصية، فبما أن القاص قد غاص في أعماق النفس، وعبر عن المكبوتات القابعة في نفس الإنسان، كان لابد على القارئ من أن يحفر عميقا لاستخراج هذه الدلالات القابعة بين هذه الرموز و الإيحاءات.

والغوص في أعماق النصوص يحدث لدى القارئ ما يسمى بمتعة القراءة، وهذا البعد الداخلي وهذه المتعة في القراءة في هذه القصص لا يدركها إلا عدد قليل من القراء، لما تتضمنه هذه النصوص من عمق نفسي و بعد دلالي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير