فعندما نتحدث عن القارئ نتحدث عن الهم الذي يجمع بين القاص و القارئ، الذي يستنبط دلالات الأعمال الأدبية والرؤية الفكرية من خلال إعطاء أبعاد وتأويلات للعمل الأدبي.
ففي قصة كابوس نشعر بأن القاص يلتقي مع القارئ في نفس الهم و هو هذه الرغبة في الدفاع عن الأطفال الذين تطالهم أياد مغتصبة تخدش حياءهم وتغتصب طفولتهم، وتمزق أحشاءهم، فكانت صورة القصة على مستوى الشكل وعلى مستوى أيقونة الكتابة الكلغرافية، تعبيرا عن مضمون ودلالة الأحداث، إنها تصور تشتت أحشاء الأطفال و نفسياتهم وتكسير أحلامهم، كما تصور تشتت أحشاء أبائهم و تمزق نفسياتهم تجاه هذا الفعل الإجرامي البشع.
(طفل جميل خلف ستارة قانية ..
طفل جميل خلف ستارة ممزقة
حلوى لذيذة لا تذوب في فمه
و ألم يلعلع
في
ا
ل
أ
ح
ش
ا
ء ش
ا
ء
ش
ا
ء
علاقة النفسي بالبلاغي
إن القاص يتحكم في هيروغليفية الكتابة القصصية من خلال توظيف لغة الأحلام، التي تنطلق من اللغة المباشرة التي تجد معاكسا لها في الواقع، ثم تأخذ شكل صور بصرية تنتقل إلى المخيلة، وبعد ذلك تتحول إلى بدائل لغوية، تأخذ شكل واجهة مختلفة تتغير بتغير الظروف و العوامل المساعدة.
وبهذا المعنى فإن الأحلام تنتقل عبرمراحل مختلفة عبر (لاوعي/ ما قبل الوعي/ وعي) إن القاص يستفيد من آليات علم النفس السردي، محاولا الاستعانة به من أجل نقل هذه القصص من عالم اللاوعي ومزجها بعالم ما قبل الوعي رغبة منه في تفجير غشاء اللاوعي، و إخراج هذه القصص إلى عالم الوعي، ومن هنا يصبح الحلم صورة للرغبة الموجودة في اللاوعي.
قد تبدو الصورة معقدة إلى حد ما لأن موضوع الدراسة له علاقة بعلم النفس الأدبي، والعلوم تزداد تعقيدا كلما غاصت في أعماق النفس الإنسانية، لأن هذه الأخيرة تتغير بتغيرالمحيط والعوامل الخارجية.
إن توظيف الأحلام في هذه القصص يجعل من الحلم "تفريغا نفسيا لرغبة في حالة الكبت" غير أن هذه القصص تصطدم برقابة الوعي، و لهذا السبب انزاحت الكتابة القصصية من السرد القصصي إلى الكتابة البلاغية، التي تعتمد الاستعارة و المجاز و الكناية من أجل تمرير خطابات عالقة في لا وعي البطل الحداثي في هذه المجموعة القصصية، ونقلها من شكلها الترميزي إلى الشكل الحقيقي الذي يقارب الواقع و يلامسه مقاربة بلاغية.
و رغبة القاص في خوض غمار الأساليب البلاغية كان يهدف إلى الوصول إلى الغرابة المفيدة التي تعتمد على المفارقة و التخييل و التركيب و التأويل، كبديل عن الوضوح غير المفيد.
ولهذا نجد أن أغلب النصوص تدخل في سياق السهل الممتنع فتشعر بأن القصص سهلة وواضحة على مستوى التركيب لكنها عميقة على مستوى الدلالات والأبعادوالإيحاءات.
ففي قصة كثافة تتحرك الأفعال على مستوى التركيب لتحدث دلالات على مستوى الحمولة الفكرية، التي استفادت من البلاغة عندما شبه القاص نفسه بالجبل العجوز كناية عن نهاية كاتب قصة وجفاف قلمه، لكن هذه الصورة المحسوسة التي نقلت من الحلم إلى الواقع، لكنه عندما استيقظ من حلمه وجد نفسه قاصا خفيفا رشيقا يكتب القصة القصيرة جدا.
إن البلاغة هنا تلتقي مع علم النفس عندما تغطي الواقع و الحقيقة بغطاء كاشف سهل النزع، بل سهل الاختراق، يحتاج فقط إلى القراءة و التأويل من أجل الوصول إلى المعنى الحقيقي.
من هنا فالوسيلة التي تجمع عالم النفس مع عالم البلاغة هي:
"التأويل" فعالم النفس يؤول الأحلام وعالم البلاغة يؤول المعاني و الأساليب البلاغية و الاستعارية و المجازية ...
والتقاء البلاغة بعلم النفس يدخلنا في سميائيات التحليل النفسي، حيث يكون البطل الحداثي مشخصا لأدوار مختلفة و متنوعة بتنوع الفضاء الخارجي، الذي يتحد فيه المكان و الزمان، فيشعر القارئ بأن أحداث القصة لها ارتباط بفضاءات كل القراء، الذين تناولوا هذه المجموعة القصصية بعين ناقدة، وكأن القصص تعني الجميع و تعالج هموم كافة الناس، لأن هذه القصص تتصف بصفة الإنسانية.
فالبطل يتحرك بتحرك الأحداث، و يتغير بتغيرها، فلم نعد نتابع ذلك البطل العادي، الذي ينفعل وينزعج ويخاف، بل أصبحنا أمام بطل ورقي عامل بلغة السميائيين، يتغير ويتلون بتغير و تلوين الأحداث.
¥