وهذه المرحلة الثانية فيها صعوبة كبيرةٌ تبدأ بالبحث عنْ نصّ في المسألة أو ظاهر يقتضيها أو عموم يشملها أو مفهوم موافقة أو مخالفة أو دلالةِ اقتضاءٍ أو إشارة.
فإذا لم يرد بخصوصها نصّ مِنْ كتاب أو سنَةٍ بمعنى من المعاني المشار إليها، ولا قولٌ لإمام من أئمةِ المسلمين المقتدى بهم -: فإن الباحث يلجأُ إلى الأشباه والنظائر إنْ كانتْ لها أشباهٌ ونظائر، لمحاولة القياس إذا انتفتْ موانعُه وتوفرتْ شروطُه مِنْ قيامِ أصلٍ منصوص عليه أو مجمع عليه، غير مخصوص بحكم ولا معدول به عن القياس، ووجود علةٍ جامعةٍ بين الأصل والفَرْع منصوصة أو مستنبطة بشروطها من انضباط وظهور سالمةً من القوادح.
فإذا تعذرتْ هذه الضوابط فإن القياسَ لا يصحُ، لأن قياسَ العلة إنما يكونُ في فرعٍ له أصلٌ بالنوع أو الجنس ولا يصح إلا بعد "ثبوت الحكم في محل منصوص باسم خاصٍ"، كما يقول علاء الدين شمس النظر السمرقندي (1).
عند تعذر القياس فإن الباحثَ قد يلجأ إلى بعض الأدلة المختلف فيها كالمصالح المرسلة عند مالك وهي أهم دليل يُعْتَمَد عليه في معركة التحليل والتحريم، حيث يكتفي الفقيهُ بالمناسبةُ التي معناها أن يحصُلَ على ترتيب الحكم على الوصف مصلحة مِنْ نوع المصالح التي يهتمُ الشارعُ بجلبها، أو درءُ مفسدةٍ من نوعِ المفاسد التي يهتم الشارع بدرئها، ولكن الباحث عليه أن يلتزم هنا أيضاً بجملةٍ من الضوابط، منها:
أن تكون هذه المصلحة في خدمة مقصِدٍ من مقاصد الشريعة الثلاثة وهي المقصِد الضروري والحاجي والتحسيني، ولا يعتبر أكثر الأصوليين إلا المقصِد الضروري خلافاً للشاطبي.
أما الضابط الثاني: فهو أن لا تكون المصلحة ملغاة والضابط الثالث: أن تكون عامة قطعيةً كما يراه الغزالي أوْ ظنية، وقد يلجأ الباحث إلى قاعدة سدّ الذرائع والنظر إلى المئالات.
وطبقاً لما تقدم فإن الحكم يُولَد بعد مخاضٍ ليس باليسير ويمر بمحطاتٍ عديدةٍ، ولعلي التزمتُ بهذا المنهج حيث يُعْوزُ النصُّ، أمّا إذا وُجِد الدليلُ فإليه المصيرُ.
وعلى الله سبحانه وتعالى قصد السبيل وهو حسبي ونعم الوكيل.
...............
وبعد المدخل المبين لصناعة الفتوى قدم الشيخ عَرْضاً مختصراً للبحوث الثمانية التي ضمها الكتاب:
1 – النقود الورقية وتغيُّرات العُمْلات:
يتحدث الكاتب فيه عن النقود الورقية هل هي عَيْن أو عَرْض، أو هي واسطةٌ لها حكم العين من جهة وحكم العَرض من جهةٍ أخرى.؟
وعن مسألة تغيّر العملات حيث يَعْرض أقوال العلماء تفريعاً وتأصيلاً، ليصل القارئ إلى رؤيةٍ واضحةٍ يقترح فيها الحلَّ الأمثل مِنْ جملة حلولٍ بُنِيت فيها الفروعُ على الأصول.
2 – الزيادة في القروض البنكية:
البحث المتعلّق بالزيادة التي تتعامل بها البنوك في القروض التي تقدّمها إلى زبائنها يبحث موقع هذه الزيادة مِنْ آية تحريم الربا في القرآن الكريم، وهل هي داخلةٌ في ربا الجاهلية أو صورةٌ أخرى تدخل في ربا الديون، وما هو مستند الإجماع الذي أطلقه العلماءُ على حرمةِ هذه الزيادة هل هو عمومُ النصّ أو القياسُ؟ وهل حجّية الإجماع تفترض قيامَ مستندٍ؟ وهل يوجد فَرْق بين قَرْض الاستهلاك وقَرْض الاستثمار؟ يحاول البحث أن يجيب على هذه الأسئلة باختصار.
3 – الإيجار المنتهي بالتمليك:
البحث المتعلق بالإيجار المنتهي بالتمليك يعالج عَقْداً مُسْتَحْدثاً كان في بداياته يتعلق بالعقارات ودُوْر السُّكنَى، ولكنه امتد بعد ذلك ليشْمل المنقولات كالسيارات والآلات المختلفة.
والبحث يعالج الموضوع مِنْ حيثُ التكييف القانوني لهذا العقد وفقاً لمراحل تطوره ثم ينتقل إلى عَرْض وُجْهة النظر الفقهية مرتبةٌ على القروض القانونية مبنية على مسائل الشروط عند الفقهاء.
ويصلُ البحث في النهاية إلى تقديم جُمْلةٍ من البدائل التي لعلَّها إذا حلَّت محلَّ العقود القانونية في بُنْيتِها وِنيَّتِها الحاضرةِ ترجَّح جانبُ الحِلّ.
4 – التعاملُ معَ شركاتٍ تتعاملُ بالربا:
¥