تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[صفوة الأمة 44]

ـ[د. محمد مشرح]ــــــــ[20 Jan 2006, 12:38 ص]ـ

[صفوة الأمة 44]

الحلقة الرابعة والأربعون

تهيئة علمية مستمرة

حرص الصحابة رضي الله عنهم على مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم والتعلم منه، والتأدب بأدبه، والتخلق بخلقه كونه المثل الأعلى في كل شأن معلوم؛ ولهذا فقد كانوا صورة حية تقترب منه عليه الصلاة والسلام؛ وبخاصة الألى منهم؛ الذين هم قاعدة الإسلام الصلبة التي حفظ الله بها الإسلام بعد انتقال الحبييب صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى؛ وكان منهم بل في أعلى تلك السلسلة الذهبية -بعد أبي بكر رضي الله عن جميعهم -عمر الفاروق؛ لقد بلغ حرصه في ذلك أن يتداول مع أخ له أنصاري إذا كان أحدهما في عمله أن يصحب الآخر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا عاد التقيا ويحدثه بما سمعه واستفاده من النبي صلى الله عليه وسلم.

روى عبد الله بن عباس عن عمر قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله e ينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره وإذا نزل فعل مثل ذلك فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فضرب بابي ضربا شديدا فقال أثم هو ففزعت فخرجت إليه فقال قد حدث أمر عظيم قال فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي فقلت طلقكن رسول الله e قالت لا أدري ثم دخلت على النبي e فقلت وأنا قائم أطلقت نساءك قال لا فقلت الله أكبر) [1]

و (قوله وجار لي: هذا الجار هو عتبان بن مالك أفاده بن القسطلاني لكن لم يذكر دليله قوله في بني أمية أي ناحية بني أمية سميت البقعة باسم من نزلها. قوله أثم هو بفتح المثلثة قوله دخلت على حفصة ظاهر سياقه يوهم أنه من كلام الأنصاري وإنما الداخل على حفصة عمر وللكشميهني فدخلت على حفصة أي قال عمر فدخلت على حفصة وإنما جاء هذا من الاختصار وإلا ففي أصل الحديث بعد قوله أمر عظيم طلق رسول الله e نساءه قلت قد كنت أظن أن هذا كائن حتى إذا صليت الصبح شددت على ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة يعني أم المؤمنين بنته ... وفي هذا الحديث الاعتماد على خبر الواحد والعمل بمراسيل الصحابة، وفيه أن الطالب لا يغفل عن النظر في أمر معاشه ليستعين على طلب العلم وغيره مع أخذه بالحزم في السؤال عما يفوته يوم غيبته لما علم من حال عمر أنه كان يتعانى التجارة إذ ذاك ... وفيه أن شرط التواتر أن يكون مستند نقلته الأمر المحسوس لا الاشاعة التي لا يدري من بدأ بها ... [2] بالعلم تبنى النفس بالفهم السليم، وتعي رسالتها في الحياة، ولا يستطيع أحد أن يضحك عليها، أو يحرفها عن مسارها؛ لقد أضيف إلى شخصية الفاروق فوق شجاعته وقوته علم بفهم وتقوى وأدب وفراسة وعدل وصراحة؛ فكان مستحقا لأن يصل ما بدأه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ووارث الخلافة من بعده الصديق من فتوحات للأرض والنفوس معا شهد به الأعداء قبل الأصدقاء، وليس ينكر ذلك من يحترم عقله ولو كان عدوا

إلا من عناه الشاعر الحكيم بقوله:

ومن يك ذا فم مر مريض يجد مرا به الماء الزلالا.

أو طمست بصيرته فلا يرى الحقيقة ولو كانت كالشمس في كبد السماء ...


[1]- البخاري 1/ 46 رقم 89.

[2]- الفتح 1/ 185 - 186.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير