المعوق الرابع: هو التلاؤم مع النظم والقوانين الغربية إذ أن الأقلية المسلمة تعيش ضمن مجتمع غير مسلم خاضع لسلطان قوانين وضعية غالباً تختلف في أحكامها عن أحكام الشريعة التي تحكم الوقف الإسلامي بناء على طبيعته الخاصة التي أملت أحكاماً قد لا تتفق بشيء من الاجتهاد والانتقاء من الأقوال مع الأنظمة الغربية.
حلول:
لمواجهة هذه المعوقات يمكن أن نتصور بالنسبة للمعوق الأول: قيام جهات وقفية مهمة في العالم الإسلامي بتقديم دعم مادي كبير لمنظمات إسلامية معترف بها في بلاد المهجر لتنفيذ برنامج وقفي مسجل لدى الجهات الرسمية.
وأعترف أن هذا الحل يقتضي اتصالات مكثفة بين المنظمات الإسلامية المستفيدة والسلطات المختصة وبخاصة بعدما شرعت بعض الجهات في دول أوربية بتكوين مؤسسات تمويلية محلية لبناء دور العبادة والاعتناء بها في نطاق الحماية مما يسمى "بالأصولية الوافدة".
وبالنسبة للمعوق الثاني: فإن مزيداً من التوعية في صفوف المسلمين لإقناعهم بإدماج هيئاتهم في بعضها البعض حيث تقوم في الوقت الحاضر مؤسسات ومساجد على أساس عرقي وجهوي وأحياناً مذهبي وبالتالي لتكوين أوقاف ضخمة لمواجهة الحاجات وهناك بشائر منها الوقف الإسلامي الأوربي وهو حديث وهناك وقفية في أمريكا وقد قامت على أكثر من مائة وثلاثين مسجداً ويمكن للمجلس الأوربي للبحوث والإفتاء وللإتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن يقوما بدور طليعي في هذا المجال.
المعوق الثالث:
وهو المتعلق بالنقص في الكفاءة التنظيمية والإدارية للاستغلال الأمثل فيبدو لي أنه من الممكن التغلب عليه عن طريق تبادل الخبرات وتنظيم دورات للراغبين والتركيز على النماذج الناجحة لتكون قدوة ويمكن للأمانة العامة للأوقاف في دولة الكويت على دورات.
أما المعوق الرابع:
وهو فقهي قانوني فيجب لإيضاحه أن نبين طبيعة الوقف في الإسلام باختصار
تعريف الوقف:
الوقف وهو الحبس وهما لفظان مترادفان يعبِّر بهما الفقهاء عن مدلول واحد وإن كان الرصاع يرى أن الوقف أقوى في التحبيس. [شرح الرصاع 2/ 539].
ويُطلق على ما وقف فيقال هذا وقف فلان أي الذوات الموقوفة فيكون فعلاً بمعنى مفعول كنسج بمعنى منسوج ويطلق على المصدر وهو الإعطاء.
وحده ابن عرفة بأنه: إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازماً بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديراً.
ورد ابن عرفة ما حدّه به ابن عبد السلام: بأنه إعطاء منافع على سبيل التأبيد مبطلا طرده بصورة المخدم. (مرجع سابق)
وحده في أقرب المسالك بأنه:جعل منفعة مملوك ولو بأجرة أو غلته لمستحق بصيغة مدة ما يراه المحبس) [الشرح الصغير للدردير4/ 97].
وعند أبي حنيفة: حبس العين على حكم ملك الواقف والتصدق بالمنفعة. [حاشية ابن عابدين 3/ 357].
وقال ابن قدامة: ومعناه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة. [المغني 8/ 184].
وهو أقرب تعريف لنص الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه من حديث ابن عمر بلفظه وهو قوله عليه الصلاة والسلام لعمر في المائة سهم التي أصابها في خيبر: "حبس أصلها وسبل ثمرتها".وأخرجه الدار قطني والبيهقي وصححه الألباني في إرواء الغليل.
الوقف مؤسسة عظيمة تتجلى فيها حكمة هذه الشريعة الربانية الخالدة في ترسيخ أسس التعاون بين أفراد المجتمع ورعاية أهل الخصاصة والفاقة حتى قبل أن يوجدوا فهي في الدنيا رصيد للأجيال القادمة وللواقفين صدقة جارية يجرى عليهم أجرها ويدخر لهم ذخرها فيتلقون روحها في القبور ويوم الحشر والنشور.
ولهذا سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم "صد قة جارية" في الأعمال الثلاثة التي يبقى أجرها ولا ينقطع درها بالموت حيث جاء في الحديث الصحيح:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ".أخرجه مسلم.
وفسرت الصدقة الجارية بالوقف وقد قال الشافعي رحمه الله تعالى وغيره إن الوقف من خصائص هذه الأمة وأنه لم يكن معروفاً قبل الإسلام.
ومن خصائص الوقف ديمومة العين وصرف الريع في مصارف الخير التي حددها الواقف ولهذا الغرض أحيطت الأوقاف بأحكام كثيرة يمكن اعتبارها منظومة كاملة تمثل سياجاً حول الوقف لسد ذرائع التدخل فيه ضد أيدي الحكام والنظار عن التغيير فيه والتبديل بله التفويت والتبذير.
¥