ـ[المجدد الوسطي]ــــــــ[07 Aug 2005, 09:04 ص]ـ
2)
تأصيل الألفة والاعتصام بحبل الجماعة:
إنه من المعلوم ضرورة من الذين قال تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}، {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}.قوتكم وجماعتكم ونصركم.
{ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البيانات}، {أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}. أوامر بالاعتصام بحبل الله تعالى وإقامة دينه مقرونة بنواه عن التفرق والنزاع مع التنبيه إلى النتائج الحتمية المتمثلة في الفشل الذي يعنى العجز عن الوصول إلى غاية معينة وهنا فشل الأمة وعجزها عن القيام بوظيفتها في هداية البشر والخلافة الراشدة في الأرض {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم}.
وقد بين عليه الصلاة والسلام ذلك خير بيان، وهو المبين للذكر المبلغ للوحي في نواه صريحة " لا تقاطعوا وتدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً ".
.........................................
إصلاح ذات البين:
{فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم}، {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا ذات بينهما}، {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم} وحديث " ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم الله تعالى " أخرجه مسلم من حديث أنس وفي حديث أبي هريرة " لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا " وخرج أحمد وأبوداود والترمذي من حديث أبي الدرداء عنه عليه السلام {ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا بلى يا رسول الله قال: إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة {والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا}. وفي ثاني خطبة له بالمدينة بعد الهجرة كما يروى ابن إسحاق دعا إلى حب الله تعالى قائلاً: أحبوا ما أحب الله أحبوا الله من كل قلوبكم " ثم دعا المسلمين إلى الحب فيما بينهم قائلاً: وتحابوا بروح الله بينكم " استخلص العلماء رحمهم الله تعالى من ذلك أن الجماعة والألفة أصل من أصول الدين يضحى في سبيله بالفروع. عبر عنه خير تعبير ابن تيمية حيث يقول: "الاعتصام بالجماعة والألفة أصل من أصول الدين والفرع المتنازع من الفروع الخفية فكيف يقدح في الأصل بحفظ الفرع" (22 ص 254).وهو كلام صحيح فيه فقه وبصر بأحكام الشرع ولقد اعتذر نبي الله هارون لأخيه موسى عليهما السلام- في عدم اتباعه له عندما عبد بنو إسرائيل العجل بالمحافظة على وحدة بني إسرائيل فلو تفرقوا لحملتني مسئولية ذلك: {يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعني أفعصيت أمري قال يابنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي}.
.......................................
تسويغ الاختلاف:
إن الاختلاف بين أهل الحق سائغ وواقع، وما دام في حدود الشريعة وضوابطها فإنه لا يكون مذموماً بل يكون ممدوحاً ومصدراً من مصادر الإثراء الفكري ووسيلة للوصول إلى القرار الصائب، وما مبدأ الشورى الذي قرره الإسلام إلا تشريعاً لهذا الاختلاف الحميد {وشاورهم في الأمر} فكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشيروا أصحابه ويستمع إلى آرائهم وتختلف وجهات نظرهم في تقرير المضي في حملة بدر ونتائج المعركة وكان الاختلاف من الموقف من الأسرى.
فعندما استشار في المضي فدماً لنزال المشركين بعد أن تبين كثرة جيوشهم بالنسبة للمسلمين وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينصت إليهم وما ليم أحد على رأي أبداه أو موقف تبناه وما تعصب منهم أحد ولا تحزب بل كان الحق غايتهم والمصلحة رائدهم.
وقد يقر النبي صلى الله عليه وسلم كلاً من المختلفين على رأيه الخاص، وبدون أن يبدي أي اعتراض أو ترجيح.
كما في مسألة أمره عليه الصلاة والسلام بصلاة العصر في بني قريظة فقد صلاها بعضهم بالمدينة ولم يصلها العض الآخر إلا وقت صلاة العشاء، ولم يعنف أحداً منهم كما جاء في الصحيحين.
وفي السفر كان منهم المفطر والصائم. وما عاب أحد على أحد كما جاء في الصحيح حتى في الاختلاف في القراءة في حديث ابن مسعود
إنها التربية النبوية للصحابة ليتصرفوا داخل دائرة الشريعة حسب جهدهم طبقاً لاجتهادهم. وبعده عليه الصلاة والسلام كانت بينهم اختلافات حسمت أحيانا كثيرة بالاتفاق كما في اختلافهم حول الخليفة بعده صلى الله عليه وسلم.
وكما في اختلافهم حول قتال مانعي الزكاة وحول جمع القرآن الكريم ورجوع عمر إلى قل علي مسألة المنكوحة في العدة
وتارة يبقى الطرفان على موقفهما وهما في غاية الاحترام لبعضهما البعض. قصة عمر مع ربيعة بن عياش
قصة الأرض الخراجية
قصة عائشة وابن عباس في رؤيته عليه الصلاة والسلام للباري جل وعلا.
وبين عائشة وبين الصحابة في سماع الموتى
وبين عمر وبين فاطمة بنت قيس في مسألة سكنى المبتوتة ونفقتها وابن مسعود وأبي موسى الأشعري في مسألة إرضاع الكبير.
وأبو هريرة وابن عباس في الوضوء مما مست النار.
واختلاف عمر مع أبي عبيدة في دخول الأرض التي بها وباء.
ويدخل التابعون في بعض الأحيان في حلبة الخلاف كأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مع ابن عباس في عدة الحامل المتوفى عنها.
وتقف عائشة إلى جانب ابن عباس قائلة لأبي سلمة إنما أنت فروج – رأى الديكة تصيح فصاح – معتبرة أنه لم يبلع بعد درجة الاجتهاد ولكن الأمر لا يتجاوز ذلك.
وموضوعات الخلاف كثيرة جداً ولكنها تحسم بالتراضي إما بالرجوع إلى رأي البعض، ويسجل لعمر رضي الله عنه كثرة رجوعه إلى آراء أخوته من الصحابة واعترافه أمام الملأ وتأصيله القاعدة الذهبية وهي: " أن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد " وهي قاعدة تبناها العلماء فيما بعد فأمضوا أحكام القضاة التي تخالف رأيهم واجتهادهم حرصاً على مصلحة إنهاء الخصومات وحسم المنازعات وهي مصلحة مقدمة في سلم الأوليات على الرأي المخالف الذي قد يكون صاحبه مقتنعا به.
.........................................
http://www.binbayyah.net
¥