تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلى هذا يمكن اعتبار بعض مقامات الإشارة دالة على هذا الطباق , ومثال ذلك ما ورد في حجة الوداع عن سيدنا جابر بن عبد الله , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , أنه قال: ... وأنتم تسألون عني , فما أنتم قائلون؟

قالوا نشهد أنك قد بلغت , وأديت , ونصحت , فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء , وينكتها إلى الناس: " اللهم اشهد اللهم اشهد .. ثلاثاً " (93)

فرفع اليد إلى السماء , ثم نكتها إلى الناس صورة تقابلية لها دلالة ولا شك.

وهذه الإشارة المتقابلة جاءت في أعقاب قولهم: نشهد أنك قد بلغت وأديت , ونصحت.

فهل تفيد الإشارة أن السماء تشهد كذلك كما تشهدون؟

أم أن المقصود الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى بأن يسجل عليهم شهاداتهم؟

أم أن الإشارة تعني أن الملائكة في السماء , وسكان الأرض , والجميع يشهد , فاللهم فاشهد؟

إن هذه المعاني كلها قد تكون مرادة , لكن الشاهد هو هذه الحركة باليد أو بالأصبع , مرة إلى السماء , وأخرى إلى الناس , وأن الغرض منها تأكيد الشهادة , أو الإلحاح على الله تعالى بالشهادة عليهم.

ومن هذا الباب أيضاً ما روته السيدة عائشة رضى الله عنها , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه , أو كانت به قرحة أو جرح , قال: بإصبعه هكذا .. ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها ,: " باسم الله تربة أرضنا , بريقة بعضنا , يشفي به سقيمنا , بإذن ربنا" (94)

وهذه الحركة عكس حركة الحديث السابق , فهنا وضع أصبعه على الأرض ثم رفعه إلى السماء , وهناك أشار أولاً إلى السماء ثم أشار إلى الناس.

وكلا الحديثين فيه دعاء:

الأول: دعاء بأن يشهد الله تعالى عليهم لاعترافهم أنه بلغ الرسالة.

والآخر: دعاء بأن يشفي الله تعالى المريض.

وهنا أتساءل: هل هناك علاقة بين الإشارات إلى السماء والأرض وبين الدعاء؟ ربما ...

يقول القرطبي: [وأما وضع الأصبع بالأرض فلعله لخاصية في ذلك , أو لحكمة إخفاء آثار القدرة بمباشرة الأسباب المعتادة ....

وقيل: كأنه تضرع بلسان الحال: إنك اخترعت الأصل الأول من التراب , ثم أبدعته منه من ماء مهين , فهين عليك أن تشفي من كانت هذه نشأته] (95)

وقد يفهم من هذه الإشارة المتقابلة معنى التوسل , أعني: توسل العبد الذي خلق من تراب الأرض إلى الله تعالى بقبول دعائه.

لكن اللافت للنظر هو أنه أسند فعل القول إلى اليد.

واسمعه وهو يقول: " فقال بيده "

فالدعاء هنا ليس من اللسان وإنما من اليدين , فالأيدي تدعو , وتتوسل , وتطلب , كما أن اللسان يدعو , ويتوسل , ويطلب.

وأنا هنا لا أجزم بهذه الدلالات , وإنما أحاول فهم الإشارة , وعلاقتها باللفظ.

الخاتمة

وبعد:

فلقد تناولت في هذا البحث أثر الإشارة في البلاغة العربية , ودورها في حمل المراد إلى الناس , وذلك من خلال دراسة نظرية ثم تطبيق على بعض الأحاديث الصحيحة.

وفي الشق النظري تعرضت لما أثبته علماؤنا من دور الإشارة , وعلى رأسهم الجاحظ , الذي جعلها رديفة للفظ ونائبة عنه.

ثم من جاء من بعده كقدامة بن جعفر , وابن أبي الأصبع , وابن حجة الحموي , وقد ظهر من خلال كلامهم عنايتهم بالإشارة ودلالتها , لكنهم خالفوا عند التطبيق , فنحوا بالإشارة عند التطبيق إلى ما يفهم من اللفظ.

وقد ثبت بعد هذا عن مقصود كلام الجاحظ , وعن مقصود هذا البحث , فالبحث يحاول الكشف عن دلالة الحركة المصاحبة للفظ , وأثرها في بناء المعنى.

وقد بينت أن القرآن الكريم أثبت هذه الإشارات ودلالاتها.

أما الشق التطبيقي فلقد بينت فيه إمكانية إدراج الإشارة في جميع أبواب البلاغة , وعلومها , وألقيت الضوء من خلال بعض الأحاديث على دلالة الحذف , والتوكيد , والتعريف , من خلال الإشارة.

وكذلك دلالة الإشارة على التشبيه.

ودلالة الإشارة على الطباق.

وما أردت هنا الاستقصاء , وإنما أردت فتح الباب لدراسة تراثنا العربي , وهو زاخر , شعراً ونثراً من خلال الإشارات المصاحبة له؛ لأن ذلك سيعيد إلينا دلالات ومعاني وقعت منا في الطريق؛ لقلة اهتمامنا بهذه الدلالة.

كما تبين من البحث أن الإشارة لا تقوى على حمل المعنى وحدها غالباً فالأصل أن تكون في صحبة اللفظ , ورديفة له.

أما إذا عجز اللسان فهي النائبة عنه.

كما تبين أن للإشارة سياقات تكثر فيها , ومنها الأساليب الخبرية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير