تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن تنوع أوجه الأداء الوارد في هذه الآية الكريمة يثري المعنى القرآني، بحيث يعطي صورة متكاملة لموضوع الآية الكريمة، فالقراءة الأولى) فأزلّهما (تدل على أمرين؛ الأول منهما: إن الشيطان -لعنه الله-لم يقصد النصيحة لسيدنا آدم وحواء عليهما السلام، بل كَذَبَهما وقصد أن يخطّئهما، وهذا ديدنه مع بني آدم كلهم يزيّن لهم كل الشهوات ليزلهم فتنزلق أقدامهم عن جادة الطريق. والثاني: إن الشيطان ليس له على بني آدم من سلطان إلّا أن يعدهم ويمنّيهم، يقول الله سبحانه وتعالى:) وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ((22:إبراهيم).

وتدل القراءة الثانية) فأزالهما (على أمرين أيضا؛ الأول منهما: إن خروج سيدنا آدم وحواء عليهما السلام من الجَنّة كان بسبب فتنة إبليس لهما. والثاني منهما: إن هدف الشيطان المنشود هو إخراج الإنسان وتنحيته عن رحمة الله وجنَّته، على نحو ما فعل مع سيدنا آدم وحواء عليهما السلام، وهذا يوجب على الإنسان أن يحذر كل الحذر من فتن الشيطان، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى:) يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ((27:الأعراف).

المبحث الرابع: قوله سبحانه وتعالى

) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ((51:البقرة).

المسألة الأولى: القراءات الواردة في هذه الآية

تنوعت أوجه الأداء في قوله تعالى) واعدنا (من حيث إثبات الألف وحذفها، وهذا ما بيَّنه أهل القراءات؛ يقول ابن زنجلة: ” قرأ أبو عمرو) وإذ وعدنا (موسى بغير ألف ... وحجته أن المواعدة إنما تكون بين الآدميين وأما الله جل وعز فإنه المنفرد بالوعد والوعيد ويقوي هذا قوله تعالى:) إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ((22:إبراهيم). وقرأ الباقون) وإذ واعدنا (بالألف، وحجتهم أن المواعدة كانت من الله ومن موسى فكانت من الله أنه واعد موسى لقاءه على الطور ليكلمه ويكرمه بمناجاته، وواعد موسى ربه المصير إلى الطور لما أمره به، ويجوز أن يكون المعنى على إسناد الوعد إلى الله، نظير ما تقول: طارقت نعلي وسافرت والفعل من واحد على ما تكلمت به العرب “ ([30]).

المسألة الثانية: من أقوال المفسرين في هذه الآية

أورد الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة قولا شافيا في بيان معاني القراءات الكريمة الواردة فيها حيث قال:” قرأ بعضهم) واعدنا (بمعنى أن الله تعالى واعد موسى ملاقاة الطور لمناجاته فكانت المواعدة من الله لموسى ومن موسى لربه، وكان من حجتهم على اختيارهم قراءة واعدنا على وعدنا أن قالوا:كل إيعاد كان بين اثنين للالتقاء أو الاجتماع فكل واحد منهما مواعد صاحبه ذلك ... وقرأ بعضهم) وعدنا (بمعنى أن الله الواعد موسى والمنفرد بالوعد دونه، وكان من حجتهم في اختيارهم ذلك أن قالوا إنما تكون المواعدة بين البشر فأما الله جل ثناؤه فإنه المنفرد بالوعد والوعيد في كل خير وشر، قالوا: وبذلك جاء التنزيل في القرآن كله فقال جل ثناؤه:) إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ((22:إبراهيم). وقال:) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ ((7:الأنفال). . قالوا: فكذلك الواجب أن يكون هو المنفرد بالوعد في قوله) وإذ وعدنا موسى (. والصواب عندنا في ذلك من القول أنهما قراءتان قد جاءت بهما الأمة وقرأت بهما القراء وليس في القراءة بإحداهما إبطال معنى الأخرى وإن كان في إحداهما زيادة معنى على الأخرى من جهة الظاهر والتلاوة فأما من جهة المفهوم بهما فهما متفقتان؛ وذلك أن من أخبر عن شخص أنه وعد غيره اللقاء بموضع من المواضع، فمعلوم أن الموعود ذلك واعد صاحبه من لقائه بذلك المكان مثل الذي وعده من ذلك صاحبه، إذا كان وعده ما وعده إياه من ذلك عن اتفاق منهما عليه. ومعلوم أن موسى صلوات الله عليه لم يعده ربه الطور إلا عن رضا موسى بذلك، إذ كان موسى غير مشكوك فيه أنه كان بكل ما أمر الله به راضيا، وإلى محبته فيه مسارعا، ومعقول

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير