أن الله تعالى لم يعد موسى ذلك إلا وموسى إليه مستجيب. وإذ كان ذلك كذلك فمعلوم أن الله عز ذكره قد كان وعد موسى الطور، ووعده موسى اللقاء، وكان الله عز ذكره لموسى واعدا ومواعدا له المناجاة على الطور، وكان موسى واعدا لربه مواعدا له اللقاء. فبأي القراءتين من وعد وواعد قرأ القارىء فهو الحق في ذلك من جهة التأويل واللغة مصيب لما وصفنا من العلل قبل، ولا معنى لقول القائل: إنما تكون المواعدة بين البشر، وأن الله بالوعد والوعيد منفرد في كل خير وشر. وذلك أن انفراد الله بالوعد والوعيد في الثواب والعقاب والخير والشر والنفع والضر الذي هو بيده وإليه دون سائر خلقه لا يحيل الكلام الجاري بين الناس في استعمالهم إياه عن وجوهه، ولا يغيره عن معانيه “ ([31]).
المسألة الثالثة: أثر القراءات في التفسير
إن تنوع القراءات القرآنية الكريمة في هذه الآية الكريمة يظهر العديد من المعاني التي لم تكن لتظهر لو اقتصرت الآية الكريمة على وجه من القراءة دون غيره؛ حيث دلَّت القراءة الأولى) وعدنا (على أن الله سبحانه وتعالى صاحب الأمر المطلق وهو الآمر وحده، وهو الذي أكرم سيدنا موسى بهذا الوعد. ودلّت القراءة الثانية) واعدنا (على أن الله سبحانه وتعالى هو صاحب الوعد، وقد أكرم سيدنا موسى عليه السلام بأن أشركه في المواعدة التي هي من جانبه امتثال لأمر الله سبحانه وتعالى، ومن هذا الوجه تكون هذه الآية الكريمة ظاهرة في الثناء على سيدنا موسى عليه السلام بأنه استجاب وامتثل لأمر الله سبحانه وتعالى في كل ما أمره به.
المبحث الخامس: قوله سبحانه وتعالى
) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ((81:البقرة).
المسألة الأولى: القراءات الواردة في هذه الآية
تنوعت أوجه الأداء في قوله تعالى:) خطيئته (من حيث إثبات الألف وحذفها، وهذا ما أظهره أهل هذا الفن؛ يقول ابن زنجلة رحمه الله: ” قرأ نافع) وأحاطت به خطيئاته (بالألف. وحجته أن الإحاطة لا تكون للشيء المنفرد إنما تكون لأشياء، كقولك أحاط به الرجال و أحاط الناس بفلان إذا داروا به، ولا يقال أحاط زيد بعمرو. وحجة أخرى: جاء في التفسير قوله) بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئاته (أي الكبائر أي أحاطت به كبائر ذنوبه.
وقرأ الباقون) خطيئته (على التوحيد. وحجتهم أن الخطيئة ليست بشخص، فإذا لم تكن شخصا واشتملت على الإنسان جاز أن يقال: أحاطت به خطيئته. وحجة أخرى: جاء في التفسير) من كسب سيئة (أي الشرك) وأحاطت به خطيئته (أي الشرك الذي هو سيئة “ ([32]).
المسألة الثانية: من أقوال المفسرين في هذه الآية الكريمة
تنوعت أساليب المفسرين في بيان معنى هذه الآية الكريمة، فمنهم من أوجز في تفسيره لها ومنهم من أسهب. ولأظهر المعنى متكاملا دون تكرار سأنظم عددا من أقوالهم في عبارة واحدة وأقول:
قوله تعالى) من كسب سيئة (السيئة الشرك وقيل السيئة الكبيرة ([33])،) وأحاطت به (الإحاطة الإحداق بالشيء من جميع نواحيه ([34]) وقيل المعنى أحاطت بحسناته أي أحبطتها من حيث أن المحيط أكثر من المحاط به، أو يكون معنى أحاطت به أهلكته ([35]) وقيل الإحاطة به أن يصرّ عليها فيموت غير تائب ([36])، وقيل أي استولت عليه وشملت جملة أحواله حتى صار كالمحاط بها لا يخلو عنها شيء من جوانبه، وهذا إنما يصح في شأن الكافر لأن غيره وإن لم يكن له سوى تصديق قلبه وإقرار لسانه فلم تحط الخطيئة به ([37])، وقيل هو من وافى يوم القيامة وليست له حسنة بل جميع أعماله سيئات ([38])، وقيل يجوز أن يحمل ذلك على من أتى السيئة مستحلا لها ([39])) خطيئته (الخطيئة الكبيرة ([40]) و بالجمع الكثرة ([41]) نحو قوله تعالى) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ((18:النحل)، وقيل هي الكفر ([42])، وقيل كل عمل أوجب عليه النار ([43]).
المسألة الثالثة: أثر القراءات في التفسير
¥