تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن تنوع القراءات الوارد في هذه الآية الكريمة يظهر المعنى القرآني بأكمل وجه؛ فهذه الآية الكريمة تُبَيِّن العَمَل الذي يُهْلِكُ صَاحِبَه ويدخله النار، وقد ظهر من خلال القراءات القرآنية الواردة فيها أن هذا العمل قد يكون مفردا يبطل ما سواه، كالكفر الذي يفسد باقي الأعمال يقول تعالى) أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ((19:التوبة). وقد يكون متنوعا كارتكاب الفواحش عامة، أو الحرص على الصغائر وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ... إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه - وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلا - ([44]) كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجئ بالعود حتى جمعوا سوادا فأججوا نارا وأنضجوا ما قذفوا فيها)) ([45]).

المبحث السادس: قوله سبحانه وتعالى

) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ((285:البقرة).

المسألة الأولى: القراءات الواردة في هذه الآية

تنوعت أوجه الأداء في قوله تعالى) كتبه (من حيث إثبات الألف وحذفها وهذا ما أظهره أهل هذا الفن؛ يقول ابن زنجلة: ” قرأ حمزة والكسائي) وكتابه (وحجتهما أن الكتاب هو القرآن فلا وجه لجمعه، وحجة أخرى قال ابن عباس: الكتاب أكثر من الكتب. قال أبو عبيدة: أراد كل كتاب لله بدلالة قوله) فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ ((213:البقرة) فوحد إرادة الجنس، وهذا كما تقول كثر الدرهم في أيدي الناس تريد الجنس كله. وقرأ الباقون) وكتبه (وحجتهم ما تقدم وما تأخر ما تقدم ذكر بلفظ الجمع وهو قوله كل آمن بالله وملائكته وما تأخر ورسله فكذلك كتبه على الجمع ليأتلف الكلام على نظام واحد“ ([46]).

المسألة الثانية: من أقوال المفسرين في هذه الآية الكريمة

تكاد عبارات المفسرين في هذه الآية الكريمة لا تختلف، ولذلك رأيت أن أورد عبارة الإمام الطبري رحمه الله – التي هي جامعة لأقوال جُلِّ المفسرين- وأحيل إلى عدد من أقوالهم. يقول الإمام الطبري:”) وكتبه (على وجه جمع الكتاب، على معنى: والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وجميع كتبه التي أنزلها على أنبيائه ورسوله ... ) وكتابه (بمعنى والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وبالقرآن الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك) وكتابه (ويقول: الكتاب أكثر من الكتب. وكان ابن عباس يوجه تأويل ذلك إلى نحو قوله) وَالْعَصْرِ+ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ((1 - 2:العصر) بمعنى جنس الناس، وجنس الكتاب، كما يقال: ما أكثر درهم فلان وديناره. ويراد به جنس الدراهم والدنانير “ ([47]).

المسألة الثالثه: أثر القراءات في التفسير

إن القراءات القرآنية الكريمة الواردة في هذه الآية الكريمة تظهر عمق المعنى القرآني وسعة دلالته؛ فالقراءة الأولى) كتبه (تدل على أن أصل الكتب السماوية واحد وهي كلها من عند الله سبحانه وتعالى، فمن يؤمن بالله حقا فلابد أن يؤمن بجميع كتبه، وقد غضب الله على من أنكر شيئا منها يقول تعالى:) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ((113:البقرة)، ومن هذه الكتب القرآن الكريم، فلا يسمى مؤمنا من لم يؤمن بالقرآن الكريم الذي هو أحد الكتب الإلهية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير