تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وذكر ابن خالويه القراءات الواردة في هذه الآية الكريمة على النحو السابق، ثم احتج لكل وجه بقوله:” فالحجة لمن ضم أنه أراد المصدر والاسم ودليله قوله) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً ((8:العنكبوت)، والحجة لمن فتح أنه أراد قولا حسنا فأقام الصفة مقام الموصوف والأول أصوب ([25]) لأن الصفة مفتقرة إلى الموصوف كافتقار الفعل إلى الاسم“ ([26]).

وأورد ابن زنجلة القراءات المتواترة الواردة في هذه الآية الكريمة وأسهب في احتجاجه لكل وجه فقال: ” قرأ حمزة والكسائي:) وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَناً (بفتح الحاء والسين، وحجتهم أن حسنا وصف للقول الذي كف عن ذكره لدلالة وصفه عليه , كأن تأويله وقولوا للناس قولا حسنا، فترك القول واقتصر على نعته. وقد نزل القرآن بنظير ذلك فقال جل وعز:) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ ((3:الرعد) ولم يذكر الجبال وقال:) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ ((11:سبأ) ولم يذكر الدروع إذ دل وصفها على موصوفها. وقرأ الباقون حُسْنا بضم الحاء وحجتهم أن الحُسن يجمع، و الحَسَن يتبعض؛ أي قولا للناس الحسن في الأشياء كلها. فما يجمع أولى مما يتبعض ([27]). قال الزجاج وفي قوله حُسْنَا قولان: المعنى قولا للناس قولا ذا حسن، وزعم الأخفش أنه يجوز أن يكون حسنا في معنى حسن - كما قيل البَخل والبُخل والسَّقَم والسُّقم وفي التنزيل) إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ((148:النساء) - ثم بدل، نحو قوله تعالى:) وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً ((8:العنكبوت)، وقوله تعالى:) تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ((85:البقرة)([28]).

المسألة الثانية: من أقوال المفسرين في هذه الآية الكريمة

تنوعت مذاهب المفسرين في محاولة الكشف عن معنى هذه الآية الكريمة، فمنهم من فسَّر ظاهر أوجه القراءات المتواترة الواردة فيها، ومنهم من حاول الكشف عن حقيقة الألفاظ المأمور بها مستشهدا بأقوال أئمة التفسير السابقين لعهده. ومن ذلك قول الإمام الطبري –رحمه الله-: ”واختلف أهل العربية في فرق ما بين معنى قوله حَسَنا وحُسْنا؛ فقال بعض البصريين: هو على أحد وجهين؛ إما أن يكون يراد بالحَسَن الحُسْن وكلاهما لغة كما يقال البَخَل والبُخْل، وإما أن يكون جعل الحَسَن هو الحُسْن في التشبيه؛ وذلك أن الحُسْن مصدر و الحَسَن هو الشيء الحسن ... وقال آخر بل الحَسَن هو الاسم العام الجامع جميع معاني الحُسْن، و الحَسَن هو البعض من معاني الحُسْن، ولذلك قال جل ثناؤه إذ أوصى بالوالدين) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً ((8:العنكبوت) يعني بذلك: أنه وصَّاه فيهما بجميع معاني الحُسْن، وأمر في سائر الناس ببعض الذي أمره به في والديه فقال) وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (يعني بذلك بعض معاني الحسن. والذي قاله هذا القائل في معنى الحُسْن بضم الحاء وسكون السين غير بعيد من الصواب وأنه اسم لنوعه الذي سمي به. وأما الحَسَن فإنه صفة وقعت لما وصف به “ ([29]).

واقتصر الواحدي ([30]) على بيان دلالة الآية الكريمة فقال: ”) وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (أي صدقا وحقا في شأن محمد عليه السلام وهو خطاب لليهود “ ([31]).

وأورد القرطبي العديد من الآراء في تفسير هذه الآية الكريمة فقال: ” قوله تعالى) وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (حُسْنا نصب على المصدر على المعنى لأن المعنى ليحسن قولكم، وقيل: التقدير وقولوا للناس قولا ذا حسن، فهو مصدر لا على المعنى. وقرأ حمزة والكسائي حَسَناً بفتح الحاء والسين، قال الأخفش: هما بمعنى واحد … قولوا لهم لا إله إلا الله ومروهم بها، وقال ابن جريج ([32]): قولوا للناس صدقا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ولا تغيروا نعته. وقال سفيان الثوري: مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر. وقال أبو العالية ([33]): قولوا لهم الطيب من القول، وجازوهم بأحسن ما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير