تحبون أن تجازوا به. وهذا كله حض على مكارم الأخلاق، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا، و وجهه منبسطا، طلقا مع البر والفاجر والسني والمبتدع، من غير مداهنة ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضى مذهبه، لأن الله تعالى قال لموسى وهارون:) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ((44: طه) فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه. وقال طلحة بن عمر: قلت لعطاء: إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة، وأنا رجل في حدة فأقول لهم بعض القول الغليظ. فقال: لا تفعل. يقول الله تعالى:) وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة: لا تكوني فَحَّاشَة ([34]) فإن الفُحْشَ لو كان رجلا لكان رجل سوء ([35]). وقيل: أراد بالناس محمدا صلى الله عليه وسلم كقوله:) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ((54: النساء) فكأنه قال: قولوا للنبي صلى الله عليه وسلم حسنا“ ([36]).
وهذا هو مذهب الثعالبي في تفسير هذه الآية حيث أورد عددا من أقوال أئمة التفسير المتقدمين فيها لكنه لم يزد شيئا عما أورده القرطبي ([37]).
واقتصر أبو السعود ([38]) على الدلالة العامة للآية الكريمة فقال: ”) وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (أي قولوا حسنا، سماه حسنا مبالغة ... والمراد به ما فيه تخلق وإرشاد “ ([39]). وهذا ما ذهب إليه النسفي ([40]) أيضا ([41]).
المسألة الثالثة: أثر القراءات في التفسير
من أنعم النظر في القراءات القرآنية الواردة في هذه الآية الكريمة، يجد أنها كالنبع فياضة بالمعاني، وهي برهان ظاهر في الدلالة على بلاغة القرآن الكريم و إيجازه؛
فالقراءة بالفتح حَسَناً تدل على صفة القول أي أنه قول حسن، فكأنه قول مخصوص وصف بأنه حسن، وهنا يبدأ البحث عن ماهية هذا القول الموصوف بهذه الصفة، وهذا باب فياض بالمعاني، فما أورده المفسرون في بيان حقيقة هذا القول كله ينطوي تحت صفة الحسن؛ فبيان صفة النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة قول حسن، والشهادة بالوحدانية لله وبرسالة النبي صلى الله عليه وسلم قول حسن أيضا … وهذا كله أُمِرَ به بنو إسرائيل وأٌخِذَ عليهم الميثاق به.
والقراءة بالضم والإسكان حُسْناً تدل على المصدرية، فهي تدل على أن الميثاق المأخوذ على بني إسرائيل يلزمهم بأن لا يحدثوا الناس إلا بالحسن المطلق في كل أمر، ومما يتضمنه هذا الحسن بيان صفة النبي صلى الله عليه وسلم ….
المبحث الثالث: قوله سبحانه وتعالى:
) مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [(106:البقرة).
المسألة الأولى: القراءات الواردة في هذه الآية الكريمة
وردت في هذه الآية الكريمة أكثر من لفظة تعددت أوجه قراءتها وهذا ما نقله أهل العلم والاختصاص وأثبتوه في مصنفاتهم، ومن ذلك قول ابن مجاهد:
” واختلفوا في قوله تعالى) ما ننسخ من ءاية (في فتح النون الأولى وضمها وفتح السين وكسرها. فقرأ ابن عامر وحده ما نُنسِخ بضم النون الأولى وكسر السين وقرأ الباقون ما نَنسَخ بفتح النون الأولى والسين مفتوحة. واختلفوا في قوله ننسها في ضم النون الأولى وترك الهمزة وفتح النون مع الهمزة، فقرأ ابن كثير وأبو عمرو نَنسأها بفتح النون مع الهمزة والباقون نُنْسِها“ ([42]).
وأورد ابن خالويه هذه القراءات الكريمة واحتج لكل وجه حيث قال:
” قوله تعالى) مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ (يقرأ بضم النون وفتحها. فالحجة لمن ضم أن المعنى ما نُنْسخُك يا محمد من آية، كقولك أنسختٌ زيدا الكتابَ، ويجوز أن يكون) ما نُنْسِخُ من آية (أي نجعلها ذات نسخ كقوله تعالى) فَأَقْبَرَهُ ((21:عبس) أي جعله ذا قبر، والحجة لمن فتح أنه جعله من الأفعال اللازمة لمفعول واحد. قوله تعالى أو) نَنْسَأها (يقرأ بفتح النون والهمز، وبضمها وترك الهمز. فالحجة لمن فتح النون وهمز أنه جعله من التأخير، أو من الزيادة، ومنه قولهم نسأ الله أجلك وأنسأ في أجلك. والحجة لمن ضم وترك الهمز أنه أراد الترك يريد أو نتركها فلا
¥