تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ننسخها “ ([43]).

المسألة الثانية: من أقوال المفسرين في هذه الآية الكريمة

تعددت أقوال المفسرين في بيان معنى هذه الآية الكريمة وسأورد فيما يأتي بعض آرائهم في تفسيرها.

يقول الإمام شهاب الدين: ”) مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ (النسخ على ثلاثة معان؛ أحدها: نقل الشيء من موضع إلى موضع كقوله) إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ((29: الجاثية). الثاني: نسخ الآية بأن يبطل حكمها ويكون لفظها متروكا كقوله) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ((14: الجاثية) نسخت بقوله) فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ((5: التوبة). والثالث: أن تقلع الآية من المصحف ومن قلوب الحافظين يعني في زمن النبي ويقال) مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ (أي نبدل ومنه قوله عز وجل) وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ((101: النحل). والنسخ له في اللغة معنيان مشهوران؛ الإزالة والنقل. وقيل هو مقول عليهما بالاشتراك فيكون حقيقة فيهما أو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر “ ([44]).

وقد جمع جلال الدين السيوطي بسلاسة عددا من الأقوال الواردة في تفسير هذه الآية الكريمة حيث قال: ” ولما طعن الكفار في النسخ وقالوا إن محمدا يأمر أصحابه اليوم بأمر وينهى عنه غدا، نزل (ما) شرطية (ننسخ من آية) أي: نزل حكمها إما مع لفظها أو لا. وفي قراءة بضم النون من أُنْسِخ أي نَأمُرُك أو جبريلُ بنسخها. أو (نَنْسَأها): نؤخرها، فلا ننزل حكمها ونرفع تلاوتها، أو نؤخرها في اللوح المحفوظ. وفي قراءة بلا همز من النسيان أي: نُنْسِكَهَا أي: نَمْحُها من قلبك. وجواب الشرط: (نأتي بخير منها)، أنفع للعباد في السهولة أو كثرة الأجر، (أو مثلها) في التكليف والثواب (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) ومنه النسخ والتبديل “ ([45]).

المسألة الثالثة: أثر القراءات في التفسير

إن القراءات القرآنية الكريمة الواردة في هذه الآية الكريمة تدل دلالة قاطعة على مصدر القرآن الكريم، ونزاهة النبي صلى الله عليه وسلم وأمانته في التبليغ عن ربه سبحانه وتعالى، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يتقول في القرآن الكريم على الله شيئا مصداقا لقوله سبحانه وتعالى:) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ # لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ# ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ((الآيات 44 - 46: الحاقة)، وهذه القراءات القرآنية تشير إلى أنه لا يد لمخلوق في التصرف بألفاظ القرآن الكريم؛

فالقراءة بالضم) نُنْسِخ (تدل دلالة صريحة على أن الآمر بالنسخ هو الله سبحانه وتعالى وأنه ليس على النبي صلى الله عليه وسلم إلا الإتباع لأوامر الله سبحانه وتعالى، فالأمر موجه من الله سبحانه وتعالى إلى نبيه الكريم بذلك، وهذا رد ظاهر على الكفار في اتهامهم للنبي صلى الله عليه وسلم.

والقراءة بالفتح) نَنْسَخ (تشير إلى الفاعل الحقيقي للنسخ وهو الله سبحانه وتعالى، وكأن فعل الصحابة برسم المصحف ليس منهم حقيقة بل هو خاص بالله سبحانه وتعالى، فإن كان الظاهر أن الصحابة هم الذين يكتبون ما يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن إسناد الفعل في) نَنْسَخ (لله سبحانه وتعالى يدل على أنهم لم يتجاوزوا أمر الله سبحانه وتعالى في شيء، فكان الأمر كما أراد الله سبحانه وتعالى تماما دون نقص. ونحو ذلك يقال في) نُنْسِها (و) نَنْسَأها فمعنى القراءة الأولى:أي نأمر غيرنا بنسيانها، ومعنى القراءة الثانية: أي يؤخر إنزالها. فكلاهما يدل على أنه ليس للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لأحد من الخلائق أن يغيّر شيئا من القرآن. وإن أخِّر حكم آية، أو رفعت من قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فليس مرجع ذلك إلى تقصير من النبي صلى الله عليه وسلم، بل مرجعه إلى الله سبحانه وتعالى، القائل:) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى# إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ((6 - 7:الأعلى).

المبحث الرابع: قوله سبحانه وتعالى:

] إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ [(119:البقرة).

المسألة الأولى: القراءات الواردة في هذه الآية الكريمة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير