أورد ابن خالويه أوجه القراءات المتواترة في هذه الآية الكريمة وأشار إلى حجة كل وجه فقال: ” قوله تعالى) ولا تسأل (يقرأ بالرفع-) تُسْألُ (-، والجزم-) تَسْألْ (-. فالحجة لمن رفع أنه أخبر بذلك وجعل لا نافية بمعنى ليس … والحجة لمن جزم أنه جعله نهيا“ ([46]).
وتابع ابن زنجلة قول ابن خالويه وزاد شيئا من التوجيه حيث قال: ” –ولا تُسْأَلُ - رفعه من وجهين؛ أحدهما أن يكون ولا تُسْأَلُ استئنافا، كأنه قيل: ولست تسأل عن أصحاب الجحيم، كما قال) فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ((40: الرعد). والوجه الثاني على الحال، فيكون المعنى وأرسلناك غير سائل عن أصحاب الجحيم “ ([47]).
واقتصر ابن مجاهد على ذكر أوجه القراءة وأصحاب كل وجه فقال:
” واختلفوا في قوله:) ولا تسأل عن أصحب الجحيم (في ضم التاء مع رفع اللام، وفتحها مع جزم اللام؛ فقرأ نافع وحده) ولا تَسْألْ (مفتوحة التاء مجزومة اللام، وقرأ الباقون) وَلا تُسْأَلُ (مضمومة التاء مرفوعة اللام“ ([48]).
المسالة الثانية: من أقوال المفسرين في هذه الآية الكريمة
ذكر الإمام الطبري رحمه الله أوجه القراءات القرآنية المتواترة الثابتة في هذه الآية الكريمة، و بين تأويل كل وجه من أوجهها فقال: ” قرأت عامة القراء) وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (بضم التاء من تُسألُ ورفع اللام منها على الخبر، بمعنى يا محمد إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا، فبلغت ما أرسلت به، وإنما عليك البلاغ والإنذار، ولست مسئولا عمن كفر بما أتيته به من الحق وكان من أهل الجحيم. وقرأ ذلك بعض أهل المدينة) ولا تَسْألْ (جزما بمعنى النهي، مفتوح التاء من تَسألْ وجزم اللام منها، ومعنى ذلك على قراءة هؤلاء إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا لتبلغ ما أرسلت به، لا لتسأل عن أصحاب الجحيم، فلا تسأل عن حالهم “ ([49]).
ونحو ذلك فعل القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة حيث قال: ” قال مقاتل ([50]): إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أنزل الله بأسه باليهود لآمنوا فأنزل الله تعالى) وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (برفع تسال وهي قراءة الجمهور، ويكون في موضع الحال بعطفه على بشيرا ونذيرا، والمعنى إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا غير مسئول. وقال سعيد الأخفش ([51]) ولا تَسْألْ بفتح التاء وضم اللام، ويكون في موضع الحال عطفا على بشيرا ونذيرا، والمعنى: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا غير سائل عنهم، لأن علم الله بكفرهم بعد إنذارهم يغني عن سؤاله عنهم، هذا معنى غير سائل. ومعنى غير مسئول لا يكون مؤاخذا بكفر من كفر بعد التبشير والإنذار “ ([52]).
ولا يخرج ما أورده النسفي في تفسير هذه الآية عما سبق وإن اختلفت عبارته حيث يقول: ” إنا أرسلناك بالحق بشيرا للمؤمنين بالثواب ونذيرا للكافرين بالعقاب) وَلا تُسْأَلُ عن أصحاب الجحيم (ولا نسألك عنهم ما لهم لم يؤمنوا بعد أن بلغت وبلغت جهدك في دعوتهم وهو حال كنذير أو بشير أو بالحق أي وغير مسئول أو مستأنف قراءة نافع ولا تَسْألْ عن النهى ومعناه تعظيم ما وقع فيه الكفار من العذاب كما تقول كيف فلان سائلا عن الواقع في بلية فيقال لك لا تسأل عنه وقيل نهى الله نبيه عن السؤال عن أحوال الكفرة “ ([53]).
وتكاد عبارة الشوكاني ([54]) تتفق في تفسير هذه الآية الكريمة مع عبارة النسفي ([55]).
أما الثعالبي فقد أضاف إضافة جميلة حيث يقول: ” قرأ نافع وحده) ولا تَسْألْ (أي لا تسأل عن شدة عذابهم، كما تقول: فلان لا تسأل عنه. تعني أنه في نهاية تشهره من خير أو شر… وتحتمل هذه القراءة معنى آخر، وهو والله أعلم أظهر؛ أي ولا تَسْألْ عنهم سؤال مكترث بما أصابهم، أو بما هم عليه من الكفر الذي يوردهم الجحيم، نظير قوله عز وجل) فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ((8: فاطر). وأما ما روي…من أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ما فعل أبواي فنزلت الآية في ذلك فهو بعيد، ولا يتصل أيضا بمعنى ما قبله “ ([56]).
وهذا الأمر هو الذي أتبناه وذلك لعدّة أمور منها ما أورده الإمام السيوطي في بيانه لأسانيد الآثار المروية وللأسباب الآتية أيضا:
¥