تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والحق أن الاحتياط والورع والالتزام يقتضي الأخذ بالتفسير المأثور الثابت نقله، وهو قليل. قال ابن تيمية في "مقدمة أصول التفسير" ص58. ومابعدها: ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي الملاحم، ولهذا قال الإمام أحمد: ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير، والملاحم، والمغازي". ويروي: "ليس لها أصل: أي إسناد؛ لأن الغالب عليها المراسيل (الأخبار التي رواها التابعون من غير سند متصل" مثل ما يذكره عروة بن الزبير، والشعبي، والزهري، وموسى بن مسلن، والواقدي، ونحوهم من كتاب المغازي.

والأكثر في التفاسير المتداولة: هو التفسير بالرأي المقبول شرعاً القائم على الاجتهاد بضوابطه وشروطه المعتبرة.

*موازنة بين إمامين في التفسير بالمأثور: الطبري والسيوطي.

جاء بعد التابعين شيخ المفسرين وإمامهم المجتهد المطلق (224 ـ 310هـ). صاحب التاريخ المعروف وصنف تفسيره المشهور "جامع البيان في تفسير القرآن" جامعاً بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي المقبول، جمع وجوه البيان، وأقوال العلماء، وآراء المجتهدين، واجتهاد الصحابة، والتابعين، في المأثور والمعقول، والرأي المتزن، والمعقول السليم، ووازن بين الآراء المختلفة، ورجح أقربها إلى الحق أو إلى مفهوم اللغة التي نزل بها القرآن وكلام العرب. ورأى الطبري أن التفسير مقدمة للتأويل، وهذا كلام سديد ومنطق صحيح، وقال في مقدمة كتابه المذكور: (ص3): "اللهم فوفقنا لإصابة صواب القول في محكم القرآن ومتشابهه، وحلاله وحرامه، وعامه وخاصه، ومجمله ومفسره، وناسخه ومنسوخه، وظاهره وباطنه، وتأويل آيه، وتفسير مشكله". وبعد أن أورد الطبري في (1/ 27) بعض الأخبار التي وردت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي، قال: وهذه الأخبار شاهدة لنا على صحة ما قلنا من أن ماكان من تأويل آي القرآن الذي لايدرك علمه إلا بنص بيان رسول الله (، أو بنصب الدال عليه، فغير جائز لأحد القيْل فيه برأيه، بل القائل في ذلك برأيه، وإن أصاب الحق فيه، فمخطئ فيما كان من فعله بقَيْله فيه برأيه؛ لأن إصابته ليست إصابة موقن أو محق، وإنما هو إصابة خارص وظان، والقائل في دين الله بالظن قائل على الله مالم يعلم.

ثم أورد الطبري الأخبار التي تحض على العلم بتفسير القرآن، ثم قال في المواعظ والتبيان بقوله جل ذكره: " (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مَثَل لعلهم يتذكرون. قرآناً عربياً غير ذي عِوَج، لعلهم يتقون (. (الزمر: 27 - 28). وما أشبه ذلك من آي القرآن التي أمر الله عباده، وحثهم فيها على الاعتبار بأمثال آي القرآن، والاتعاظ بمواعظه، مايدل على أن عليهم معرفة تأويل مالم يحجب عنهم تأويله من آيه؛ لأنه محال أن يقال لمن لا يفهم ما يقال ولا يعقل تأويله: اعتبر بما لا فهم لك به، ولا معرفة من القَيْل والبيان، إلا معنى الأمر بأن يفهمه ويفقهه، ثم يتدبره ويعتبر به، فأما قبل ذلك، فمستحيل أمره بتدبره، وهو بمعناه جاهل.

وسار المفسرون من بعد الطبري على الجمع بين التفسير بالمأثور والتفسير بالمعقول، واستقر ذلك منهجاً عاماً في التفاسير القديمة والمعاصرة، وامتلأت كلها بتأويلات سائغة شرعاً، غير مذمومة عقلاً وفهماً، وأيد النيسابوري في كتابه "تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان" منهج الطبري، وهو مطبوع بهامش تفسير الطبري ويتضح ذلك فيما ذكره في 1/ 49، في مبحث "بيان النهي عن تفسير القرآن إلا بما سمعه، فإن الصحابة رضي الله عنهم قد فسروا القرآن، واختلفوا في تفسيره على وجوه، وليس كل ما قالوه سمعوه. كيف وقد دعا النبي (لابن عباس: "اللهم فقِّهه في الدين وعلمه التأويل"، فإن كان التأويل مسموعاً كالتنزيل، فما فائدة تخصصه بذلك؟ .. وإنما النهي يحمل على وجهين:

أحدهما ـ أن يكون له في الشيء رأي، وإليه ميل من طبعه وهواه، فيتأول القرآن على وفق هواه، ليحتج على تصحيح غرضه .. الخ.

الثاني: أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية، من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغريب القرآن، ومافيه من الألفاظ المبهمة والاختصار والحذف والإضمار، والتقديم والتأخير، فالنقل والسماع لابد منهما في ظاهر التفسير أولاً ليتقي بهما مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع للتفهم والاستنباط.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير