كان إيمرسون، وتلميذه ثورو، من أوائل المفكرين الذين روجوا للفردية، وهاجموا بشدة كل النظم الدينية الثقافية التي كرست مفاهيم الغير فردية- وكان هدف هذا الهجوم هو "جعل الناس يشعرون أنهم اهم من كل شيء".
عرّف إيمرسون المجتمع "غير الفردي" – بأنه الحاجز Barrier ضد فردية كل الأشخاص الذي فيه، وعرّفه أيضاً بأنه عبارة عن شركة احتكارية يتخلى فيه الأفراد عن حقوقهم الشخصية من أجل قوت يومهم هم لا أكثر.
الحل حسب المبدأ الفردي هو أن يعاد تأسيس المجتمع على أساس جديد. على اساس أن الفرد هو القيمة الأولى والأهم في المجتمع. وهذا الفرد ينتمي لنفسه أولاً وأخيراً. ليس من حق المجتمع أن يملي عليه أفكاره أو تصرفاته. بل من حق المجتمع عليه أن يحمي حقه في تفرد أرائه وسلوكه- من حق هذا الفرد أن يسلك –بأي سلوك يجلب له السعادة، مهما كانت مخالفة لتصور الأفراد الآخرين عن السعادة.
حسب إيمرسون، الناس يجب أن يكونوا "أفراداً أولاً- ومن ثم مواطنين".
والإلتزام الوحيد المعترف حسب مذهب الفردية، هو إلتزام الفرد تجاه فرديته، تجاه نفسه، ومن ثم عائلته (الصغيرة على الأغلب)، وحلقة صغيرة أخرى من أصدقاء يختارهم بحيث أن فرديتهم تتوافق وفرديته ..
هذا هو إلتزام هذا الفرد. لا شيء تجاه مجتمع أكبر. تجاه قيم تتجاوز حدود الفرد نحو جماعة أكبر منه. الفرد هو النهاية هنا. هو الهدف، إنه ليس (عبداً) لأهداف المجتمع. ولا وسيلة لها. الفردية لا ترى معياراً للأخلاق أو المباديء إلا من خلال الفرد. إنها تضعه كمعيار نهائي ومقياس مطلق للصواب أو الخطأ. الفرد هو الحقيقة الوحيدة الواقعية. كل ما يخص حقائق عليا مثل مجتمع أو أنه هو حقائق غير واقعية، وتقع في أبعاد لا تؤمن بها الفردية.
وهي بهذا لا تلغي المجتمع، ولا تقصي الفرد عنه، لكنها لا تعتبر أن المجتمع هو (فوق) الفرد، إنما تعده الحاصل النهائي لمجموع أفراد يتكون منهم المجتمع. ليس من حكم مسبق يمارسه المجتمع على هؤلاء, وإنما الأفراد هم الذين يحددون قيم هذا المجتمع ونمط الحياة فيه.
بالنسبة لمذهب الفردية، الأفراد يخدمون أنفسهم فقط، وليس من واجبهم أن يضحوا من أجل غيرهم أو من أجل قيم عليا كالمجتمع أو الأخلاق إنما المجتمع هو الذي صمم من أجل خدمتهم.
والفردية، لا تدعو للعزلة والإقصاء عن الآخرين، إنما هي نمط جديد من العلاقة بين الأفراد، إنما هي تنظيم جديد للعلاقة بين الناس كعلاقة (فرد لفرد)، وليس كعلاقة فرد بمجتمع ..
الفردية ترى الفرد كوحدة بناء إجتماعي متكاملة بحد ذاتها.
إنها تراه كهدف نهائي. ويتحقق هذا الهدف من خلال الإنجاز الفردي الذي يحقق الفرد. وبينما تقر هي أن هذا (الإنجاز) قد ينفع آخرين، إلا إنها تصر على الطابع الفردي للنجاح الشخصي المتحقق في هذا الإنجاز .. ..
نعم، إنها الفردية، تجعل من الفرد معياراً أعلى لكل شيء.
*********************
حسناً، ماذا عن الآخرين؟.
ماذا عنهم، إنهم أفراد أيضاً، يعيشون فرديتهم كما يريدون من خلال مجتمع مصمم ليحمي هذه الفردية.
ماذا عن الفقراء؟ ماذا عن التكافل الإجتماعي؟ ماذا عن مساعدة الآخرين الذين يحتاجون الى المساعدة؟
هنا لن نجد لفاً ولا دوراناً، ولا كذباً، ولا إدعاءً فارغاً بالمشاعر الرقيقة. لقد تأدلج الأمر ولا داعي الآن للكذب ..
( .. وهذه نقطة إيجابية على الأقل).
يقول ايمرسون، مؤسس المذهب، في واحدة من أكثر مقولاته شهرةً وإنتشاراً "فلا يقل أحد لي أن لدي إلتزاماً تجاه الفقراء، إنهم ليسوا (فقرائي) For they are not my poor.
هكذا إذن؟. نعم، بلا مواربة ولا إدعاء. •
*****************
] ذروها ذميمة
هل هناك من يقول أن الأمر ليس جديداً، وأن الإنسانية طالما فعلت ذلك بشكل أو بآخر؟ ..
هذه حقيقة لا داعي لإنكارها. لقد حدث ذلك كنزعة سلوكية بشرية منذ أن عرف البشر السلوك. ولن أدعي هنا أن أمريكا إخترعت هذا ..
لكني اقر في الوقت نفسه، أن أمريكا أدلجت الأمر، مرة أخرى، وشرعنته ..
¥