تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

رغم أن معتنق الرأسمالية ينظر إليها كما ينظر إلى قوانين الفيزياء أو [الرياضيات] أي أنها تفسر الوجود ولا تبتدعه من العدم، وهي حيادية، ولم تقدم نفسها كفكر إيديولوجي، لذا فإن أهم مبدأ عند آدم شميث هو الحيادية، أي ترك الباب مفتوحاً، وباختصار: عدم التدخل! لتجري القوانين في سياقها الطبعي من دون تدخل [أي حماقة نرتكبها مثلاً إذا حاولنا إعاقة الطيف المغناطيسي الموجود والذي نقوم نحن فقط بالاستفادة من آثاره] فالتدخل أمر ضد الطبيعة، وعواقب التدخل كارثية مهما كانت عواقب عدم التدخل مؤلمة!

إن العقيدة تقوم على التغيير وهو يتطلب التدخل لإعلاء ما يعتقد أصحابه أنه حق وأفضل وأطهر، أما مبدأ عدم التدخل فيقوم على شيء آخر [في غاية الخطورة] وهو وجه [لدين ماكر جداً] نستطيع أن نقول عنه وبراحة للضمير أنه الخضوع والاستسلام والانصياع [بل والعبودية] لليد الخفية!! [هل أدركت خطورة الأمر أخي القارئ!].

إن قوانين الكهرباء لم تتحرك يوماً لتعطينا رؤانا وقيمنا ونمط حياتنا ومنظوماتنا الأخلاقية، [وحلالنا وحرامنا] وأبعاد تفكيرنا وتصورنا للوجود، ولكن الرأسمالية [الحيادية والقائمة على عدم التدخل!!!] تفعل ذلك!

الرأسمالية منظومة كاملة عقدية وأخلاقية وسلوكية [بل ووجدانية أيضاً] شعرنا أم لم نشعر، أقررنا أم أنكرنا! وهي تزودنا بمنظار ذو لون خاص نرى الوجود كله من خلاله! ونبحث في منظوماتنا الشرعية عن مؤيدات له، [فالشيوعية كفر محض والرأسمالية تتقاطع مع إسلامنا في كثير بل الأكثر من جوانبه!] وباختصار فلنقم بالطقس الأساسي لذلك الدين الأميركي وهو الخضوع، [ولنحمل عقيدة وفكر وسلوك ووجدان مبدأ عدم التدخل]، ولنتأله لمعبود ما [وإن لم ندرك ونفهم]، [ولا يهم ماذا تسمي ذلك المعبود بعدها]: هل تسميه السوق! أم نقول لك أنها اليد الخفية الذي بشر بها [نبي الرأسمالية] سميث. [هل تتذكر ذلك المثل العامي البشع: سوق حسب السوق ... أو ضع رأسك بين الرؤوس وقل ياقطَّاع الرؤوس ... وهل تستطيع أن تفطن إلى كم ألف مرة ضاع فيها الحق وظهر الباطل من وراء مبدأ عدم التدخل والانصياع الذي استثمر إلى حد مرعب في تحويل مجتمعات كاملة إلى مجرد سوائم للعلف والتسمين لتذبح!! وبقية القطيع يتفرج ثم يعود إلى الاجترار والاستهلاك للعلف!].

كم يبدو الأمر رومانسياً عندما كانوا يقولون: فتش عن المرأة! ففي الرأسمالية فتش عن المال [وهي منظومة مغايرة لنا مهما بدا أن لها بعض تقاطعات ظاهرة لن نعدم من يفتي بتطابقها مع الإسلام]. وكل ماجرى ويجري وماسيأتي سببه المال ثم الزيادة من المال!

الرأسمالية تزعم أنها لم تبتدع الأمر بل وضحته، فالمال هو الذي يجعل العالم يتحرك في طواف مذهل وضمن عالم شكلت أخلاقياته وقيمه الرأسمالية.

الأديان التقليدية وجدت نفسها في مواجهة خاسرة مع الوحش الكاسر فانسحبت مؤثرة أن تقوم بدور المواسي الروحي! للضحايا، [لعل ذلك الوحش يبقي لها بعض الفتات أوالمواقع التجميلية و الاستثمارية في ساحته الطاحنة، والتي تعيد الرأسمالية الاستفادة منها في إلقاء الوهم في النفوس أنها لا تمس القيم والأخلاق بشيء فهي قائمة على عدم التدخل!!!!!].

وانسحبت المفاهيم الدينية والأخلاقية، فصارت الساحة خالية، وكنتيجة طبيعية كانت الرأسمالية هي البديل الذي لا بديل غيره بحال بعد أن التفت على الجميع ومكرت بهم مذ زعمت أنها تفسر الموجود فقط ولا تبتدعه، ومع الوقت استبدلت الرأسمالية [دينها وبكل منظوماته] بالأخلاق والقيم التقليدية، ومع عجز [كثير من] المؤسسات الدينية وفسادها [وارتباطها التلاحمي مع السياسيين والظالمين] صارت الرأسمالية هي دين هذا العصر بلا منافسة ولا نزاع!!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير