هناك استثناء آخر [واسع الطيف عمودياً شديد الضيق أفقياً]، وهو الانتقال من الحضيض إلى القمة لبعض الفنانين أو الرياضيين، ولكنه محدود جداً ولأصحاب مواهب خاصة [ويبقون مهما ارتفعوا غير ذي جذور مثل الطبقة العليا].
النجوم الذين يمكنهم الانطلاق بسرعة الصاروخ إلى القمة تسوقهم آلة الإعلام الجبارة كأيقونات وثنية، ورموز تعين الوثنية الفردية على زيادة التجذر في النفس، [فهم عملياً مجرد أدوات فنية لترسيخ الفكر الفردي أحد أركان الدين الجديد!].
تابع معي عزيزي القارئ هذه المعلومة المدهشة: إذا تأملنا قائمة فوربس Forbes list التي تشمل أغنى 400 شخص في أميركة لوجدنا أن 43.4 % من الأسماء ولدت أساساً في القائمة، عبر إرث وثروات لم تبذل أي جهد للحصول عليها.
14% ولدوا قريبين جداً من القائمة، و6% ورثوا ثروات ضخمة، ولكنها أقل من ثروات الأوائل.
7% بدؤوا من ثروة تفوق خمسين مليون دولار.
الباقون [الذين صنعوا أنفسهم] ولدوا غالباً في الشريحة التي تمثل أغنى 20% من الأشخاص، وحصلوا على تعليم متميز مبكر جداً [أحد تلاميذي تباهى يوماً بأن مدرسته تخرج العباقرة، وهي من أغلى المدارس رسوماً وقتها وهو منحدر من عائلة غنية ومحفوف بالعناية الدراسية والرفاهية في الحياة، فقلت له ثق تماماً لو أننا أحضرنا من سوق الخضار صبياً عادياً ووضعنا له من الإمكانيات مثلما وضع لك لفاقك وكل رفاقك العباقرة، ولو أننا جعلناك محله وحرمناك من زهرة الحياة الدنيا التي تنعم بها لكنت أكثر منه جهلاً وقد يصعب عليك أن تفرق الشمال من اليمين].
وهناك نسبة قليلة من الفنانين والرياضيين والذين لولا دعم المؤسسات الضخمة لهم لم يصلوا إلى ماهم فيه.
بيل غيتس غني العالم الأكبر العصامي المكافح الذي رُوج له [بل روج للدين الذي يستثمره] بأنه بدأ من مرآب منزله المتقدمين، وأنه مثال عظيم للمكافحين العصاميين، هذا العبقري لم يذكر للناس انتماؤه الطبقي! فوالده من أهم المحامين في ولاية سياتل، ووالدته مديرة بنك مهم، أما جد أبيه فكان حاكم الولاية! أما جد أمه فهو مؤسس أحد أهم البنوك الأميركية، وغيتس نفسه الذي درس في أغلى الجامعات (جامعة هارفرد) كان قد درس في ثانوية كلفتها أكثر من كلفة الجامعة نفسها!! [ياللعصامي المسكين].
قد تحصل تغييرات طفيفة إلى الأعلى قليلاً أو إلى الأسفل ولكن (تداول الثروة) لايكون إلا بين الأغنياء والأغنياء فقط!
وهذا الأمر معاكس تماماً للتوجيه القرآني الذي يأمر بالإنفاق والبذل والجماعية ((كي لا يكون دُولةً بين الأغنياء منكم)) الحشر: 59/ 7.
هل نزلت هذه الآية للأميركان أم للمسلمين؟ إن الدين أساساً للعالمين، ولكن فوق ذلك فنحن تحت خطر القصف الرأسمالي الذي ينشر جراثيمه أينما تحرك، وهو أعلن صراحة (نظرياً وعملياً) أن الإكراه في الدين مبدأ رئيس يعمل من خلاله!
عندما وجدت زيادة كبيرة في الدخل حدد القرآن إلى أين يذهب المال، إنه يذهب إلى الطبقات الأفقر ((كي لا يكون دُولةً بين الأغنياء منكم))، ومايلي تلك العبارة واضح تماماً ... تماماً ... بلا أي لبس: ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) الحشر 59/ 7.
تتمة الآية استثمرتها المؤسسة الدينية التقليدية في جوانب ضيقة، وقد يكون الحرص على اللحية عند البعض وعدم نتف حواجب النساء عند آخرين أكثر خطورة من تصدع الأمة، ويقول الأستاذ العمري أنه لم يحصل ولا حتى مرة واحدة أن تحدث أحد عن تداول الثروة واحتكار الأغنياء لها [تحدث عن الأمر بطرق مختلفة أشخاص (قد لايكونون من التقليديين) مثل سيد في العدالة الاجتماعية والإمام الغزالي –المعاصر- في كثير من كتبه، والأستاذ راشد الغنوشي في كتابه الحريات العامة في الدولة الإسلامية، والدكتور أكرم ضياء العمري في كتابه الإسلام والوعي الحضاري، والعلامة القرضاوي في سفره العظيم عن فقه الزكاة، وآخرون ... كما أعرف خطيباً كان يؤكد على تلك المعاني في كثير من خطبه يوم الجمعة قبل أن يعزله الظالمون ... ولكن ينبغي الإقرار أن كل ذلك الحديث شيء بسيط جداً أمام مرارة المأساة].
¥