تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فعندما يقرأ القارئ نقد طالب العلم لا يحتاج منه أن يؤثر في مشاعره، وإنما يحتاج منه ما يؤثر في فهمه فقط. وللقارئ فيما بعد أن يكيف مشاعره حول الكاتب كما يحب.

لذلك، أعتبر أن الولوج إلى عقل القارئ، من خلال تحويل مشاعره وعواطفه تجاه الكاتب، نوع من المغالطة والتضليل (سواء كان ذلك بالنفخ في قيمة الكاتب أو بإيغار الصدر تجاهه) .. أما الولوج إلى عقله من خلال نقد الفكرة والرأي، مع ترك الكاتب وشأنه، فهو نوع من النزاهة التي تفرض احترام الناقد. لأن معركة الناقد الحقيقية مع الفكرة الخاطئة، وليست مع شخص الكاتب. ولو أوحينا للقارئ بأن معركتنا مع الكاتب لوقعنا في فخ يمكن بسببه أن نخسر القارئ، إذا رأى في مواطن أخرى من الكتاب أفكارا أخرى جيدة يمكن أن يشكر عليها الكاتب. وعندها لا يمكن للقارئ الذكي أن يقبل عبارتنا التعميمية القادحة في شخص الكاتب، إما من باب شعوره بأن الكاتب لا يستحق كل هذا القدح فيشعر بالتعاطف مع الكاتب المظلوم، أو لأنه يشعر بأن مثل هذا الأسلوب لا ينسجم مع أخلاقه، أو لأنه يعتبر ذلك نوعا من التضليل للتعمية على بقية الأفكار الجيدة للكاتب.

- مما يساعد في العدل في الحكم على الكتاب: أن لا نحكم عليه بحكم تعميمي، ولا نحكم على كتابه بحكم تعميمي، خصوصا إذا كنا في معرض الرد المفصل. وأفضل ما يساعد القارئ على قبول النقد، أن نحصر كميا عدد الأفكار والآراء المعروضة في الكتاب، وبيان قيمة كل فكرة مقارنة بالأفكار الأخرى، وبجملة الكتاب. ثم نحدد نسبة الصواب والخطإ في كل فكرة لوحدها (وعادة ما نجد الخطأ والصواب مختلطين بنسب متفاوتة في نفس الفكرة).

ثم نفصل بين الأفكار الجيدة، والأفكار الخاطئة، والافكار التي اختط فيها الصواب بالخطأ.

عندها فقط، نكون قد خدمنا القارئ بنقدنا للكتاب. لأنه لا يريد في العادة معرفة الانطباع العام للناقد حول الكتاب أو حول الكاتب.

وأرى أن من أشد الأسئلة المطروحة على العلماء خطورة، تلك التي توجه العالم إلى إبداء رأيه حول كاتب ما من قبيل: (سئل فضيلة الشيخ عن رأيه في كتابات فلان، فرد مشكورا بقوله: ... )، هكذا بنوع من التعميم.

هذا النوع من الأسئلة أعتبره مزلقا خطيرا، ويحتوي مغالطة خطيرة من السائل (لنفسه، وللمسؤول، وللقراء من بعدهما)، ولو جاراه العالم في جوابه، لارتكب مغالطة مضاعفة، ولتحمل وزرا مضاعفا.

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[16 Nov 2007, 11:01 م]ـ

أعتذر عن الإطالة في الموضوع. وأريد إضافة ما يلي على ما سبق قوله لأخي عبد الرحمن سديس:

لو قرأت كتاب د. الجديع عن (الموسيقى والغناء) لوجدته متقيدا بهذا الملاحظات المنهجية في كامل كتابه. حيث التزم خطوة بخطوة مع الأدلة الموجودة، ولم يسع في صفحات كتابه الأولى إلى التأثير على رأي القارئ. بل التزم منهج النبي صلى الله عليه وسلم الذي جعل نفسه في نفس منزلة مخالفه عند الحوار: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)

أما من رد على د. الجديع، فكأني به يقول للقارئ منذ الصفحة الأولى: (سترى أنني على حق تام، وأن الآخر ليس له من الصواب أي نصيب .. ) إلخ ذلك .. فبالله عليك، أيهما أولى بالتقدير من القارئ؟

وما أعجب له حقا أن من يرد بهذا الأسلوب يغفل عادة عن تقدير الأصناف المحتلفة من القراء. فمن المفروض أن يفرق الناقد بين:

1 - القراء الذين يميلون أصلا إلى قوله

2 - والذين يميلون أصلا إلى قول الكاتب

3 - والذين لم يميلوا لرأي دون آخر بعد.

فعندما ينقد الناقد الكتاب بادئا بتوجيه أحكام التضليل والجهل وسائر أنواع الشتيمة أو الحط من القيمة العلمية للكاتب، فإنه بدون أن يشعر نقل معركته من ساحة محدودة بينه وبين الكاتب، إلى ساحة أوسع تشمل شريحة لا يمكن تحديد عددها، تضم كل القراء (أو أغلبهم) من الصنف الثاني المائل أصلا إلى رأي الكاتب، أو المعجب بكتاباته. وكلما قرأ قارئة من هذه الصنف عبارة جارحة أو قادحة، شعر بأنها موجهة إلى قلبه وعقله وشخصه هو أيضا. فهل هذا هو ما يبحث عنه الناقد؟ أم أنه يريد إقناع أكثر عدد ممكن من القراء بصواب نقده؟

لذلك، فعندما يعزل الناقد الفكرة عن كاتبها، ثم ينقد الفكرة فقط، فإنه بذلك يضمن إلى (أبعد حد ممكن) عدم استفزاز مشاعر هذه الشريحة من القراء، من خلال إشعارهم بعدم وجود معركة شخصية معهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير