يا دير ياسينٍ .. ويا قانا ..
يا عرس قانا
أمي نداء من سماء الغيب يحملني
لحنا على وتر الغياب المرّ يا وطني
وتقول: لن ترتاح يا ولدي
إلا على كبدي
لكنّ مهرك لن يكون سوى الشهادة.
كيف يا ولدي تأخّر عن ربيع العمر موعدك البهيّ؟
لم استكنت لزهرة الدنيا؟
وأعراس الشهادة، كابتهاج الزورق المحميّ بالشهداء،
جسر العابرين إلى الحياه؟
أمّاه، مدّي من وراء الغيبٍ كفّكِ لي
أسيرُ للذنوب أنا، وتغمرني المياه
إني لأغرق في بحار الإثم يا أمي، وقلبي قد تعثر في خطاه
والمسجد الأقصى أسير للبغاه
يا ليتهم مرّوا على جدثي، ولم يردوا حماه
داست على ظل الشهيد فلول جيش منهكه
لم يسقط المفتاح من يده، وفوق جبينه
ما قد تناثر من غبار المعركه
لم يثنه دمه الموزّع في الحقول
عما تخط يمينه قبل الرحيل إلى بساتين الرسول
لمّا تهجّر ظلّلته غمامةٌ
وتبطّنت دمه الشريد حمامةٌ
وحماه نسج العنكبوت
هو لن يموت
فلتأسروا دمه إن اسطعتم،
وخلوا وجهه للريح جلّله القنوت
رقصت مجنّدةٌ على أشلائه متهتّكه
هي ما تزال تحنّ للفودكا،
لتهرب من جحيم الباص في يافا
ومن نصلٍ تصوّبه الفلاشا من محاجرها
تحنّ للفودكا لتنسى عار والدها القديم
هي تشرب الخمر العتيقة، وهي تسأل أورشليم
من ذا الذي أعطى يهوذا اللندنيّ عليّ سلطانا؟
ومن في غفلة عنا علينا ملّكه؟
رقصتْ على ظلّ الشهيدِ
وآدها طفل يطارد واثقا دبابة ..
هتفت على حذر: خسرنا الحرب حتى إن ربحنا معركه
وتقول لي قانا
والصبح يطلع من بقايانا
اغضب حبيبي، واحذر الوهنا
مفتاح بيتك ما يزال هنا
كالشوق يعتنق البيوت، ويحرس الوطنا
يتأمل المفتاح وهو معلّقٌ
كتوهج المصباح، يحلم بالإياب، يحاصر الحزَنا
لن تطفئوا الأمل المخبّأ في الجفون سنا
لكم الأذى، ولنا احتمالُ
لكم الردى، ولنا اشتعالُ
لكم اجتثاث الكرم في يافا، وزرع الغرقد احتقنا
ولنا
أن نحرق السفنا
ونعانق الأقصى وإن طال الزمان بنا
لن نسلم الوطنا
قمر الأسيرة شُرفةٌ منه تطلّ الأنجم
وحديقة تمتصّ نبض الجرح، لا تتبرم
حصنٌ تعالى من إباءٍ، دونه سيف العدوّ محطم
كم ذا يُغيّبني عن الأحباب سور الحقد؟ كم سيضمني سجني؟
وكم سيظل هذا الوحشُ يشرب من دمي ولهيبه يتضرم؟
خمس من السنوات؟ عشرٌ؟ ألف عامٍ؟
لا يضير فجبهتي لا تنحني،وعزيمتي لا تهزم
وجه الأسيرة خيمةٌ في ظلها كرم الشهادة يزهر
وعلى حجارتها سيوف الظالمين تكسّر
يتأمّل الإسكندر:
طعم الهزيمة منكر
لكنه مطرٌ يذوب يشوبه صحوٌ يكاد من النضارة يمطر
يتأمل الإسكندر
في قلبه همّ، وفي شفتيه همهمةٌ
وفوق ذراعه سيف يصيح ومغفر
نملٌ على ظهر الصفاة إلى الذرى يتبصّر
يسعى، يحاول، يدحر
يسعى، يحاول، يعثر
يسعى، يصر فيظفر
يا أيها الظفر
الطفل منطلق
في كفّه حجرُ
جالوت مندحر
والطفل منتصر
أحباب قلبي! بالشهادة فزتمُ
من أين؟ من أين الطريق إليكمُ؟
الخوف يلجم خطونا
وسيوفنا مرهونةٌ وفم الشعوب مكمّم
وعلى الأسرّة زمرة ما أبرموا
شيئا .. وأنى للمقيّد يبرم؟
قانونهم أهواؤهم وشعارهم: "إن الكلام محرّم"
لكنّ ألوية الشهيد تقول: لا تستسلموا
وتقدموا ...
وتقدموا ..
قمرُ تأبّط في صلاة الفجر قلبه
قمرٌ ملامحه فلسطينيّة الأبعاد
موكبه حسينيّ
ويرحل عن سماء القدس عند الفجر
كي يرقى إلى المسرى
وكي يلقى الأحبّه
قمرٌ لغزّة منه
طعم الكبرياءِ
ورفّ أجنحةٍ
تسافر في المدى
وله صمود العائدين من الردى
قمرٌ له من عسقلان إباؤها المتكلم
وطيور غزة هاشمٍ من حول عرشه حوّم
تتعلّم الإقدام في الغمرات وهْو معلّم
هو لم يمت إلا ليحيى .. فالشهيد منعّم
لا تحجموا
لاتحجموا
وتقدموا
إن العدوّ سيهزم
والليل يرحل، والبشائر تقدم
فتقدموا
قمرٌ يعانق برعماً
من قبل رحلته،
فيسكر من شذاه البرعم
في كفه حجرٌ، وفي شفتيه ميثاقٌ، وفي النبضات عهد مبرم
ورعوده من تحت أقدام العدو تدمدم
الجرح نافذةٌ يطلّ الضوء من دمها
وتنطلق العصافير الشريدة في مداه
ويخط صوت الشاعر المنفيّ في الكلماتِ فوق قباب نيسابورَ:
"تختبئ العصافيرُ الشريدةُ كي تموت"
وقرار (لكنيسيت) يلتهم البيوت
لكنّ أطفال الجليل وعيترون على جدار العنكبوت
كتبوا:"ونحن نقبّل الموت المباغت كي نعود إلى الحياه
ولكي تعود البسمة الجذلى إلى شفة المياه
ولكي تعود القدس ترفل في فساتين الصلاه"
احفظ وصيتك الأثيره
احفظ وصية من رعتك، وأرضعتك لِبانها،
فهي المسدّس والذخيره:
لا تسلم المفتاح!
واحذر أن تموت على فراشك في الشتاتِ
فإن نازيا جديداً جاء من بلد بعيدٍ
كي ينام على فراشك في الخليلِ وتستبيح جياده القدسا
لا تسلم القدسا
وابذل لها الأموال والأولاد والنفسا
.....
لا تسلم المفتاح يا مجنونَ أمّك.
لم تزل غرناطةٌ تبكي فتاها
ليس في غرناطةٍ قرميدة إلا وتهتف: بعتني!
هل تستجير بزفرة العربيّ؟
والأطفال في سوق البيازين انتضوا حلم الأصائلِ
وامتطوا شهب الجياد الصافنات ووقّعوا بدمائهم:
"لا يأس إلا من ظلام اليأس.
نحن بيأسنا الخلاّق ندفع عن حمى غرناطةٍ
ونقاتل اليأسا
تعساً له، تعسا
لن نسلم المفتاح، يا غرناطةَ الشهداء،
وليرفع أميرك – إن أراد – الراية البيضاءَ
قلبُ الأمّ لم يخطئ، فخلّ متوّجا لم يحفظ الدرسا! "
من بعدما أدت صلاة الفجر ريمٌ قبّلت أطفالها ..
قالت محاسنها:"فإنّ الحوض موعدنا
لقد كنتم لأمّكمُ أنسا ... "
يا ريمُ، إنّ العشق أشرفه بباب العرش موصولٌ،
وقلبُ الأمّ لم يخطئ،
- أهان بنوك؟
- كيف يهون قلب الأمّ؟
لكني فديت لحبهم شعبا فديت لحبّه القدسا
يا شعب لا تنس!
يا شعب لا تنس!
لي عودة بإذن الله
التوقيع: لاجئ
¥