تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

• التعاون والتنسيق: هذا المحور هو الذي عُني به المعهد في السنوات الأخيرة، لا ننسى أن معهد المخطوطات نشأ في وقت مبكر وعلى الرغم من وجود بعض المكتبات المعنية بالمخطوطات إلا أنها كانت مجرّد حافظة أما العمل في المخطوطات فلم يكن بالصورة التي نراها الآن، لذلك بدأ المعهد العمل في خدمة التراث منفردًا أو شبه منفرد عندما تعددت المراكز وتعددت دور النشر أصبح هناك مهمة جديدة لا تقل دورًا عن أدواره الأخرى التي قام بها، تلك هي مهمة التعاون بين المراكز والتنسيق بينها. نحن نعرف أن أي عمل هو نوع من الحركة والحركة لا بد لها من ضابط، بدون الضابط تصبح حركة عشوائية تضيع فيها الكثير من الجهود. من أجل هذا قام المعهد في وقت مبكر (بداية الثمانينات) خلال وجوده في الكويت بإنشاء ما أسماه "الهيئة المشتركة لخدمة التراث العربي"، هذه الهيئة جمعت المسؤولين عن مراكز المخطوطات العربية في البلاد العربية وبعض المسؤولين عن المخطوطات العربية خارج الوطن العربي، هذه الهيئة اجتمعت عدة اجتماعات، وكان لها من المقرر أن تجتمع كل عامين لكن أزمة المال تحول بيننا وبين أن نكمل مشروعاتنا وأن ننهيها كما يجب، كانت تجتمع لتناقش أهم قضايا التراث والمخطوطات على محاور عدة.

• قضية جمع المخطوطات: كان للبعثات المبكرة منذ بداية إنشاء المعهد وحتى اليوم دور كبير في عمليات جرد وانتقاء من مكتبات المخطوطات ومراكزها ومن البيوتات العلمية في طول العالم وعرضه، عملية الجمع هذه اتّسمت بأمرين: سعة الدائرة الجغرافية التي تحركت فيها، والتوازن في الاصطفاء والانتقاء بمعنى أن الذين كانوا يرسلون لانتقاء المخطوطات لم يكونوا يركّزون على عِلم معين أو على عَلَم معين كانت نظرتهم متوازنة، فكما صوّروا علوم الدينية واللغوية وهي اختصاص أكثر المبعوثين، صوروا مخطوطات العلوم الأساسية والتطبيقية وأصدروها في فهارس.

• التحقيق والنشر: هذا باب واسع أسهم المعهد فيه بدور مهم على عدة أصعدة الصعيد الأول وضع أسس علمية لمنهجية التحقيق ونشر النصوص في هذا الإطار كان الكتيّب الصغير "قواعد تحقيق المخطوطات" الذي وضعه الأستاذ صلاح الدين المنجد متّعه الله بالصحة وهو ثاني مدير للمعهد وظهر بعد ذلك بعقود كتيّب "أسس تحقيق التراث العربي"، وهو حصيلة ندوة عقدها المعهد في بغداد وجمع فيها خبراء المخطوطات العربية ووضعوا هذا الكتيب ثم حدثت نقلة نوعية في هذا الاتجاه عندما عقد المعهد ندوة حول التراث العلمي العربي وإشكاليات تحقيقه ومجالات نشره وكأننا أردنا أن ننتقل بالتنظير لعملية تحقيق المخطوطات من الإطار العام إلى إطار خاص، فلكل علم وبخاصة التراث العلمي خصوصيته التي تفرض منهجًا للتعامل معه، فما يتم التأكيد عليه في العلوم الإنسانية قد لا يكون ذا بال في العلوم العلمية أو العملية والعكس أيضًا صحيح. إذًا لا بدّ من خصوصيات داخل الإطار العام في عملية تحقيق النصوص، وفي هذه الندوة أردنا أن ننظر نظرة مستقلة إلى التراث العلمي في محاولة لا أظنّها اكتملت لتلمّس منهج خاص لهذا التراث المهم والذي أظن أن صداه الأوسع في مدينة حلب في معهد التراث العلمي العربي، وهذه مناسبة للقول بأن معهد التراث العلمي العربي قد تعاون مبكّرًا مع معهد المخطوطات العربية، والتفت إلى التراث العلمي ونشر مجموعة من البحوث في هذا الإطار.

• في الفترة الأخيرة أدرك المعهد أن هناك خللاً ما في الاتجاه نحو التراث، فشيوخ التحقيق كان الأمر بالنسبة إليهم هواية ورغبة نابعة من داخلهم أما الآن فقد أصبح التراث جزءًا من الماضي كما ينظر إليه الكثيرون، فكان لا بد أن ننظر إلى الأجيال الجديدة لنلفتها إلى التراث، فاتّخذ أسسًا لذلك أهمها: الجوائز: لقد وضعنا جائزة مضى عليها عدة أعوام تمنح كل عامين للشباب الباحثين والمحققين الناشئين غير المشهورين، بهذه الجائزة نشجّعهم على الاتجاه نحو التراث والتعاون مع التراث، وفي هذه الجوائز اتجهنا نحو التراث العلمي ونشرنا مجموعة من الكتب مُنحت الجائزة، وكان منها ثلاثة كتب لحلب: "إنباط المياه الباطنية" لبغداد عبد المنعم، و"مادة البقاء في إصلاح نسب الهواء والتحرّز من طلب أو ماء للتميمي" ليحيى شعار، والكتاب الثالث لم يحصل على الجائزة لكنه كان جديرًا بها لكن لكثرة الأسماء السورية عزفنا عن تقديم الجائزة له خشية أن يُظن أنني أوجه الجائزة لبلد معيّن، والكتاب هو "مصارع الأبدان والأنفس" للدكتور محمود مصري.

• في كلمتين اثنتين أشير أيضًا أن المعهد تبنّى مؤخرًا برنامجًا أكاديميًّا لمنح درجتي الماجستير والدكتوراه في علم المخطوطات، أسميناه "علم المخطوطات وتحقيق النصوص"، وسنناقش هذا الشهر إن شاء الله أول رسالة ماجستير. الجديد بهذا البرنامج هو الاهتمام لما يسمّى بعلم المخطوطات أو كوديكولوجيا. نحن ننظر إلى التراث طوال الفترة السابقة على أنه مضمون أو محتوى لكن الحقيقة أنه عبارة عن ركنين أساسيين، الركن الأول هو الوعاء الذي وضعت فيه هذه المعرفة العلمية لكن لا نظنّ أننا إذا قلنا: الوعاء فإننا نتحدّث عن ورق فقط أو عن أحبار فقط، إنما هناك أمور كثيرة تدخل في علم المخطوطات، مثل: ما يُكتب في حواشي المخطوطات، فإن هذه الكتابات تكشف لنا مسائل شديدة الأهمية بالنسبة للعلاقات الاجتماعية في تلك العصور والتقاليد العلمية التي كانت سائدة. ونحن نعوّل على هذا البرنامج في أن يخرّج متخصصين في ميدان علم المخطوطات، أنا أرى أن كثيرًا من النتاج المتصل بالمخطوطات العربية بشكلها الوعائي هو من إنتاج المستشرقين للأسف، نحن غير منتبهين إلى هذا الجانب المهم في المخطوطات العربية ومنشغلون بالمعرفة العلمية أو المحتوى العلمي عن الوعاء وما يحويه من فوائد عديدة تتصل بالتاريخ والعلم في الآن نفسه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير