والكلام عندنا (ما انتظم من هذه الحروف التي ذكرناها أو غيرها) يفصح هذا التعريف عن أمرين هما: انتماء التعريف بقوله "عندنا" والتنصيص علي المكونات احتياطاً من القول بالكلام النفسي.
وتخالف ابن سنان بعض شيوخ المعتزلة مثل أبي علي الجبائي الذي يذهب إلي المخالفة في الجنس بين الصوت والكلام.
وعند هذا الحد يصطدم ابن سنان بالمقولة الاشعرية حول كلام النفس، ويري أن القول بالكلام النفسي مجرد إدعاء للخروج من المأزق الذي أوقعهم فيه خصومهم بقوة الحجة في القول بخلق القرآن.
فأما من ذهب إلي أن الكلام معني في النفس من المجبرة فإن الذي حملهم علي هذا المذهب الواضح الفساد ظهور أدلة نظار المسلمين علي حدوث هذا الكلام المعقول وتقديم بعض حروفه علي بعض
2/ البلاغة في المعاني:
برغم عدم تخصيص الجرجاني مقدمة مذهبية لتحديد طبيعة الكلام تمهيداً لتحديد طبيعة البلاغة، فإنه ميز في عمله بين مستويين لحقيق نفس الهدف هما:
أ- مستوي (الغرض والطلبة والمرام) وهو بيان العلل التي بها وجب أن يكون النظم مزية مع نظم.
ب – مستوي الذرائع وأسباب التسلق إلي الغرض أي التدليل.
ويحوم الجرجاني حول القضية الجوهرية (طبق الكلام) وبني عليها لسانياً ويتحاشى الكشف عن وجهها المذهبي حتى يضطره السجال إلي ذلك فيكشف بعضا الخيوط التي تلتقي عند طبيعة الكلام فالكلام عنده علاقات نحوية عمدتها القصد والإفادة والأصوات والألفاظ المفردة غير داخلة فيما يعتبر به الكلام كلاماً. وهذه المزية في الأصوات تؤدي إلي يكون القرآن معجزاً.
ويري الجرجاني أن الصفة التي ينسب الكلام من أجلها إلي قائله هي الصفة الجوهرية المحددة لحقيقته.
وينطلق الجرجاني من أن الحكاية هي مسألة صوتية متصلة بالألفاظ وما دام الكلام بالنسبة إليه هو النظم فلا مجال للحديث عن الحكاية.
وإذا ما تعددت الحكاية إلي النظم والترتيب، أدي ذلك إلي المجال وهو أن يكون المنشد يشعر أمري ألقيس قد عمل في المعاني وترتيبها واستخراج النتائج والفوائد. ثم شرح الاحتذاء عند الشعراء من خلال أمثله عديدة وانتهي إلي القول: لو كان منشد الشعر محتذياً لكان يكون قائل الشعر، كما أن الذي يحتذي النقل بالنقل يكون قاطع نقل.
إما في الدلائل فيصبح هذا المفهوم البديل الدلالي العميق للتصور السطحي الخادع الذي يتمسك به أصحاب اللفظ.
ويري أن الشبهة التي أوقفت من يقول بوجود النظم في الألفاظ هي ما يلاحظ من ترتيب المعاني في الذهن عند سماع الألفاظ، غير أن هذا يتعلق بالمستمع إلي الكلام لاعتدائه، والأخير (أي المتحدث) هو الذي يهم الجرجاني في سياق الإعجاز ... لقد كان من نتائج اعتماد الكلام النفسي والمعاني النفسية:
1) استبعاد الأصوات.
2) تقديم المعقول علي المحسوس.
3) تقييد المعاني بالنظم النحوي وتقييد النظم بالقصد والفائدة والزيادة.
الفصل الثاني: بين الغرابة الشعرية ... والمناسبة التداولية
الغرابة الشعرية أو سر ألإسرار:
تفاعل الواقع والخيال , قضية واحدة وثلاثة مداخل:
• ينبني عمل عبد القاهر الجرجاني في كتابة (أسرار البلاغة) علي صراع بين عنصر الغرابة المفيدة وعنصر الوضوح غير المفيد ولكل منهما مرادفات وصفات فالغرابة تقترن بالمفارقة والتخيل والتركيب والتأويل وتوصف بالغموض والكذب، ومن هنا فهي خاصة (ضد عامية) والوضوح يقترن بالعقل والمعرفة والصحة ويوصف بالصدق والصراحة.
وقد عالج الجرجاني هذه القضية من ثلاثة مداخل، شكلت أجزاء الكتاب، فالقراءة الفاحصة لكتاب الأسرار تصل إلي أنه مبني من مقدمة وثلاثة أقسام يكاد بعضها يستغني عن بعض ويخالفه في توظيف المصطلح إلي حد التناقض، ولكنها تعالج في العمق موضوعاً واحداً أو إشكالية واحدة.
1/ المقدمة: رصدت لتحديد موضوع البلاغة وهو المعاني دون الألفاظ باعتبارها أصوتاً ومقاطع.
2/ أقسام الكتاب: حصر المؤلف موضوع الكتاب منذ البداية في التشبيه والتمثيل والاستعارة وقد وعد بتناول الأصل المجازي للاستعارة بعد تناول بعدها ألتشبيهي لتدبير لم يفصح عنه.
تقسيم الكتاب: أ) القسم الأول:-
خصص للحديث عن مراتب العلاقات بين أطراف التشبيه / الاستعارة والفرق بين التشبيه والتمثيل.
ب) القسم الثاني: هو الذي تناول العلاقة بين الاستعارة والمجاز ويميز بين أنواع المجاز اللغوي والعقلي.
¥