ولاشك أن المنحي الذي سلكه الجرجاني في الإسرار إن كان قد استجاب للتصور الأشعري في كون الكلام حديثاً نفسياً وأبعد التصور ألمعتزلي ينزع المزية من الأصوات فإنه لم يقدم تفسيراً تطبيقا لمجمل الإعجاز في القرآن، بل ربما أثار أسئلة محرجة ومع ذلك فإن عملية الانتقال من أسرار البلاغة إلي دلائل الإعجاز لا تعني تغييرا الموضوع أو قلب الإشكالية رأسا علي عقب، ذلك لم تستتبع التخلي عن مادة الأسرار بك أكتفت بتعديلها وتكميلها (بإضافة الكتابة) وربطها بمقتضيات النظم ألنموي، وجعلها تابعة له، فلم تعد القمة موجودة في اتجاه تنامي الغرابة بل في اتجاه مناسبة الكلام للمقاصد. فالموضوع واحد وإن اختلفت الأهداف في الوضوح والظهور لكمية الاختلاف في المدخل والمادة فمدخل الإسرار ونواته هي التخيل الذي يجد مرجعيه مسبقة في نظرية المحاكة ومجالاً للتطبيق في الشعر العباسي ومدخل الدلائل ونواته ومهيمنته النحو والإعراب بمفهومها الواسع.
لم يسمح التصور ألانزياحي في الأسرار لدخول عناصر النظم أو حتى الإرهاص بها أما التصور التداولي ألمقصدي في الدلائل فقد حاول استيعاب المادة الانزياحية وبدأ الجرجاني عمله في الدلائل بخلاصته مركزة منها خطة التحولات الدلالية البلاغية التي تلتي أحياناً باللفظ فأرجها إلي الكتابة والمجاز.
1/ التقسيم الثنائي:
هناك كلاماً حسنه للفظ دون النظم وآخر حسنه للنظم دون اللفظ، وثالثاً قري الحسن من الجهتين، ووجبت له المزية بكلأ الآخرين، والإشكال في هذا الثالث وهو الذي لا نزال تري الفك قد عارضك فيه.
وإن العنصر الجديد المتولد هنا هو العنصر الذي يقع منه التفاعل بين التغير الدلالي (اللفظي) والتغير (التركيبي) النظمي والجرجاني يضع أحقبه هنا علي قضية جوهرية في الشعر وهي التفاعل بين المكونات.
هذه هي الخطة الصريحة لكتاب دلائل الأعجاز، فهو يعيد مقولة الكتاب الأسرار التي قوامها ورأس هرمها الاستعارة والتمثيل الاستعاري ثم يصنف إليها الكتابة، قبل أن يوسع لنستوعب كل صور المجاز والاتساع والعدول باللفظين الظاهر كما سلف استكمال الخطاطة:-
1) التعديل: إن استعمال اللفظ كجنس أعلي للصور البلاغية القائمة علي المجاز والاتساع والعدول يدخل ضمن الحوار العام الذي بسطتاه في الفصل الأول. ومثل الرجوع إلي بعض الخلاصات فيما يتعلق بتقطيع المعني وتأويل اللفظ نقف عند الاستدراكات، والتعديلات التي أجزها الجرجاني في الفصول اللاحقة من الكتاب لاستكمال خطة اللفظ.
وقد عاد الجرجاني إلي إشكالية اللفظ والنظم بعد الانتهاء من الحديث الطويل عن صور النظم.
2) توسيع: مادة الشعر وصورته:
بعد نقاش طويل، يعود الجرجاني لتمحيص مكونات الخطاب (الشعر الخاصة) مستحضراً النقاش الذي دار بين الشعراء وللذين حول اللفظ بمعناه العام والمعني ببعديه المنطقي والأخلاقي وإذا كان إرجاع المعني إلي الحكمة والأدب لا يطرح مشكلاً وإن خالف مفهوم المعني كل ما ورد في (الأسرار) وكثيراً من (الدلائل)، فإن جعل التشبيه والمعني القريب في خانة المعني وجعل الاستعارة في خانة اللفظ أمر مشكل حقاً خاصة حين نتذكر أن
الاستعارة من أهم آليات غرابة المعني غير أننا مع التقدم في قراءة كلامه نطمئن إلي أن طرفي القسمة هنا هي المادة والصورة، اللفظ بمعني الصورة حسب ما يفهم من كلام القدماء الذين عاد الجرجاني للتلاؤم مع مفاهيم من خلال مفهوم صورة المعني، والمادة في بعدها ألمضموني والمنطقي ..
كما يورد القول المشهور للجاحظ في سباق رده علي من يختار الشعر بمعناه فحسب وهكذا يصالح الجرجاني الجاحظ بعدما نابذه في أول الكتاب حول مفهوم الفصاحة والأعجاز.
والتحليل الذي يصالح مفهوم اللفظ عند القدماء أو لعبارة أخري يتفهمه يعيداً عن المزيدات المذهبية (حول اللفظ: الصوت، والمعني: ما يدور في الذهن أو النفس) هو الذي يبين أحد أهم إنجازات الجرجاني في الدلائل وهو مفهوم صورة المعني ومن هنا نجد الجرجاني يشتق إلي 3 مستويات:
1) الغرض: المدح مثلاً.
2) القيم التي تكون الأغراض: الشجاعة و السخاء مثلاً.
3) صورة المعني أو معني المعني.
البحث الثاني: الثوابت والمنجزات الأساسية:
¥